صورة عن "اقتصاد الحرب" جمعت طرفي النزاع في اليمن
الجمعة 29 مارس 2019 الساعة 10:50
تعز أونلاين

*جمال حسن

خلال الحرب اليمنية، استطاع المال ان يشكل اختراقاً خفيا، بين اطراف النزاع، عجزت عنه طاولات الحوار السياسي. ومع تحول الحرب الى مزرعة تسمين لطبقة ضيقة من امراء وتجار الحرب، لم تحد الصراعات من التوصل لاتفاقات تضمن  تقاطع المصالح.

لكن ماذا يعني وجود اكثر من مليون برميل في الخزانات العائمة "سفينة صافر" على البحر الاحمر بميناء رأس عيسى، وفي ظروف تفتقد للسلامة؟ بالنسبة لبعض امراء الحرب تساوي 60 مليون دولار، لكنها تساوي خسائر مضاعفة بما تشكله من تهديد بيئي على الحياة البحرية.


تؤكد معلومات، سأتحفظ عن تفاصيلها للحفاظ على سلامة اشخاص، ان قيادات حوثية كانت تسعى لإعادة تسليم منشآت في مناطق سيطرتها لتاجر النفط الشهير، والمقرب من هادي، احمد صالح العيسي.

انه امر يتجاوز المبادئ السياسية، حتى في اركانها الاكثر نفعية، أي المنافع التي تعود على اشخاص محددين هنا او هناك بين اطراف النزاع المستمر في اليمن، والذي لا يلوح على سماءه المظلمة.


يتواجد حوالي 1.140.000 برميل نفط في الميناء العائم "سفينة صافر" والذي يبعد، داخل البحر، 5 ميل بحري (حوالي 9 كيلومتر) من ميناء رأس عيسى الواقعة على البحر الاحمر، وتبعد 60 كيلومتر شمال الميناء الاكبر الحديدة. ونتيجة تهالك المنشأة فإن احتمال تسرب النفط او اشتعاله مع انعدام مادة المازوت، وتسبب بحسب تقرير شركة صافر عن وضع السفينة، الى تعطل الغلايات وانعدام الغاز الخامل، الذي يشكل جداراً وقائياً يمنع تسرب الهواء الخارجي (الاوكسجين) الى الداخل، وتسربه يشكل خطورة قد تتسبب باندلاع حريق هائل في الخزان اذا نتجت ظروف ملائمة.


وبتاريخ 19 سبتمبر 2017 اكدت رسالة وزير النقل لرئيس مجلس الوزراء السابق احمد عبيد بن دغر، من اجل التحرك السريع للتخلص من النفط الخام في الخزان صافر. وسبق لوزير النقل ان خاطب وزير النفط سيف الشريف، باعتباره المسئول الحكومي على ما يتعلق بالنفط، بتاريخ 14 يونيه الفائت (2017) من اجل عملية انقاذ للبحر مما يعتبر تهديداً حقيقياً.

وسنرى ان الخطابات المذكورة هي سلسلة لخطابات اخرى رسمية، حيث ان الهيئة العامة للشئون البحرية خاطبت وزير النقل يوم 27 ابريل الماضي (2017) باعتبارها الجهة الرسمية المخولة بحماية البيئة البحرية، وعرضت عليه المشكلة بناءً على خطاب اخر من مدير شركة صافر في يوم 25 ابريل الفائت (2017) موجه لوزير النفط السابق سيف الشريف، كان نصيب الهيئة العامة للشئون البحرية نسخة من الخطاب بين نسخ ارسلت لمكتب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.

وسنرى الفارق الزمني بين تحرك الهيئة العامة للشئون البحرية وبقية الجهات الرسمية.

صحيح ان هناك تعقيدات تجعل مسألة تفريغ الخزان العائم صعبة، لأن الميناء مازال تحت سيطرة الحوثيين، ويستطيع منع اي ناقلة من تفريغه.

ويستطيع الخطاب الاعلامي للحوثيين تبرير الامر باعتباره منع محاولة الاستيلاء على الكمية المخزنة والمتاجرة بها.

وهذا بحد ذاته يدفع عدد من الخيوط حول قضية المخزون النفطي المجمد في عرض البحر، خصوصاً وان السلطات في صنعاء التي تخضع لسيطرة الحوثيين حاولت بيع مليون برميل لشركة روسية.


وفي 8 اغسطس 2016، خاطب مدير عام المؤسسة العامة للنفط والمعادن، المكلف من الحوثيين في صنعاء، مدير شركة صافر المُعين من قبل الحوثيين امين زبارة، بتاريخ 8 اغسطس 2016، يُعلمه ان دائرة تسويق النفط بصدد استكمال عملية بيع مليون برميل نفط، ليقوم بكافة التدابير اللازمة لتجهيز ميناء التصدير في رأس عيسى. مشيراً الى ان المؤسسة ستعلمه بتاريخ الشحن الفعلي بعد الانتهاء من اجراءات البيع.


والحوثيون يدركون تماماً التعقيدات التي تجعل تصدير الكمية مستحيلة دون موافقة التحالف التي تراقب حركة الناقلات ولا تسمح لأي سفن كبيرة او صغيرة بدخول الموانئ التي مازالت خاضعة لسيطرة الحوثيين. خصوصاً وانها ليست المرة الاولى التي حاول الحوثيون بيع كمية مليون برميل من النفط الخام المخزون في الميناء العائم "صافر".

لكن في المرة الاولى كانت عملية البيع عبر شركة النفط اليمنية في صنعاء، وهي عملياً جهة غير مخولة ببيع النفط الخام. وكانت شركة النفط اليمنية قدمت عرضاً لشركة ليتاسكو الروسية بتاريخ 30 مارس 2016، من اجل بيع 1,050,000 برميل نفط خام، وقدمت خصم قدره 6.5 دولار لكل برميل عن سعر النفط في تلك الفترة، على ان يتم خصم المبلغ من قيمة شحنة الديزل المتواجدة في الغاطس بميناء الحديدة والتي تقدر باكثر من ستين الف طن.

وفشلت العملية التي نتج عنها اشكالية بين الشركة الموردة كروجاز يمن وشركة النفط اليمنية وانتهت الى المحكمة التجارية في الحديدة.


وكان حينها مدير شركة النفط علي الطائفي اداة تواصل بين الحوثيين والحكومة الشرعية. وبحسب وثائق فان شركة كروجاز التي كانت المورد الرئيسي للمشتقات النفطية في الشهور الاولى من الحرب، اشارت في مذكرة لرئيس المجلس السياسي صالح الصماد بتاريخ 8 سبتمبر 2016 انها قامت بدفع مبلغ 3,5 مليون دولار قيمة تصاريح دخول شحنات النفط الى ميناء الحديدة عبر مدير شركة النفط اليمنية علي الطائفي، وقد دفعتها في تواريخ سابقة.


الصفقة لم تتم لأسباب تتعلق بعدم التوصل إلى اتفاق بين الأطراف، إذ كان يتطلب استصدار تصريح لدخول ناقلة لتفريغ تلك الكمية. مع هذا، ظلت الحرب تنتج خيوط الشراكة بين امراءها، ومحركها المال. ومع ان السياسة عجزت عن التوصل إلى اتفاق بين الاطراف، ظل اقتصاد الحرب هو الاستثناء الذي تدور حوله التوافقات في الخفاء.

*ملاحظة: المادة كتبتها أوائل عام 2018 ولم أنشرها لعدة أسباب


متعلقات