استخدم رن تشنغ مؤسس هواوي الصينية لهجة التحدي لمواجهة العقوبات الأمريكية التي تهدد بقاء شركته.
وحسب موقع Stuff النيوزيلندي، فقد أقر الملياردير مؤسس أكبر شركة تكنولوجية في الصين، في مقابلة مع شبكة تليفزيون Bloomberg الأمريكية، بأن قيود التصدير التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ربما تؤدي إلى إعاقة مسيرة الشركة التي بدأتها منذ عامين نحو التفوق بصعوبة على منافسيها مثل Ericsson AB و Nokia Oyj.
لكن الشركة سيتعين عليها إما تكثيف إمدادات الرقاقات الخاصة بها أو أن تجد بدائل للحفاظ على تفوقها في مجال صناعة الهواتف الذكية وشبكات الجيل الخامس.
وكانت الولايات المتحدة قد أدرجت شركة هواوي -التي تتهمها بمساعدة بكين في التجسس- في 17 مايو/أيار الجاري في القائمة السوداء وحرمتها من البرمجيات والمكونات الأمريكية التي تحتاجها هواوي في تصنيع منتجاتها.
ويعوق هذا الحظر مسيرة أكبر مزود معدات شبكات اتصالات في العالم وبائع الهواتف الذكية رقم 2 في العالم، في الوقت الذي كانت تستعد فيه للتربع على عرش التكنولوجيا العالمية. وأدى الحظر أيضاً إلى إثارة مخاوف صناع الرقاقات من أمريكا إلى أوروبا عندما تعرضت سلسلة التوريد العالمية للتهديد.
وربما يُعطل الحظر إطلاق شبكات الجيل الخامس اللاسلكية على مستوى العالم، ما يقوض معياراً يوصف بأنه أساس كل شيء من السيارات ذاتية القيادة إلى الجراحة الروبوتية.
نجح رن في تسليح هواوي بالقدرة على ابتكار حلولها الخاصة في أوقات معينة. فكانت تُصمم رقاقاتها طوال سنوات وأصبحت تستخدمها الآن في كثير من هواتفها الذكية. وكانت تطور أيضاً برامج التشغيل الخاصة بها لتشغيل الهواتف والخوادم.
ورغم ذلك، تجاهل رئيسها التنفيذي الأسئلة حول مدى سرعة هواوي في تكثيف مساعي إيجاد بدائل داخلية. وربما يؤدي الفشل إلى عرقلة الأعمال التجارية سريعة النمو للمستهلكين وأيضاً تثبيط الجهود الناشئة مثل الخوادم السحابية.
وقال رن، الذي بدا هادئاً وهو يرتدي سترة بيضاء فوق قميص وردي، مستهيناً بالتساؤلات حول محنة شركته: «هذا يتوقف على مدى سرعة عمال الصيانة لدينا في إصلاح الطائرة. بغض النظر عن المواد التي يستخدمونها، سواء كانت معدنية أو قماشاً أو ورقاً، فالهدف هو إبقاء الطائرة في السماء».
وفي غضون عدة أشهر تحول رن من شخص منعزل إلى مخضرم في وسائل الإعلام حيث يناضل لإنقاذ شركته التي تبلغ قيمتها 100 مليار دولار أمريكي.
خرج الملياردير الذي يبلغ من العمر 74 عاماً من العزلة الافتراضية بعد اعتقال ابنته الكبرى وكبيرة المسؤولين الماليين في الشركة منغ وانزهو في إطار تحقيق موسع مع هواوي.
وأصبح منذ ذلك الحين شخصية محورية في الصراع الأمريكي-الصيني، الذي ربما يكون الأمر الأبرز في صياغة الشؤون العالمية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
وكان رن قد قال في يناير/كانون الثاني 2019: عندما تحارب أكبر الاقتصادات في العالم من أجل الهيمنة، لن يبق أي شيء في طريقها. ووصف شركته بأنها «بذرة سمسم» بين قوتين عُظميين.
وقال كريس لين، وهو محلل لدى Sanford C. Bernstein & Co: «ربما يؤدي ذلك إلى تركيع أحد أبطال الصين الوطنيين. إذا أغلقت الصين جميع مصانع Apple، فستغضب الولايات المتحدة للغاية. فهذا إجراء مشابه».
واجه رن الكثير من المصاعب مؤخراً. فقد وجدت شركته نفسها في مرمى النيران، وحوصرت بالجهود الأمريكية لحث حلفائها الرئيسيين على حظر معداتها. وأسهم هذا الهجوم الأمريكي في بلورة المخاوف بشأن قوة هواوي المتزايدة في مجالات من البنية التحتية اللاسلكية وأشباه الموصلات إلى الأدوات الذكية للمستهلك.
ويبدو أن هواوي توقعت هذا الاحتمالية منذ منتصف عام 2018 على الأقل، عندما هددت عقوبات مماثلة بإغراق منافستها ZTE Corp. وذكرت تقارير أن هواوي خزَّنت كمية كافية من الرقاقات وغيرها من المكونات الحيوية لضمان استمرار أعمالها لمدة ثلاثة أشهر على الأقل.
وقال مؤسس هواوي الذي يعد شخصية أسطورية في بلده الأصلي بفضل الطريقة التي أنشأ بها هواوي من الصفر لتصبح قوة عالمية: «لقد صنعنا بعض الرقاقات الجيدة حقاً. إن تمكننا من النمو في أصعب بيئة تنافسية، يعكس كم نحن عظماء».
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الأسبوع الماضي، إن شركة هواوي ربما تكون جزءاً من صفقة تجارية بين أمريكا والصين، ما أثار التكهنات بأنها ربما تكون وسيلة مساومة في المفاوضات الحساسة. لكن رن قال إنه ليس سياسياً. وأضاف بسخرية: «إنها مزحة كبيرة. ما علاقتنا بالتجارة الصينية الأمريكية؟».
وتابع: إذا اتصل ترامب «سأتجاهله، ثم إنه سيتفاوض مع من؟ إذا اتصل بي، لن أرد عليه. لكنه ليس لديه رقم هاتفي».
وفي الواقع، تحدث رن بكل وضوح عن رجل وصفه قبل عدة أشهر بأنه «رئيس عظيم». وقال مازحاً: «أقرأ تغريداته وأرى أنها مثيرة للضحك لأنها متناقضة. فكيف أصبح رائد فن إبرام الصفقات؟».
إذ يتكهن البعض بأن الصين ربما تثأر للحظر المفروض على هواوي -الذي توسع وشمل بعض شركاتها الواعدة في مجال الذكاء الاصطناعي- عن طريق حظر كبرى الشركات الأمريكية من الاستثمار في أسواقها.
ويُقدر محللون من شركة Goldman Sachs المصرفية أن شركة Apple قد تخسر ما يقرب من ثلث أرباحها إذا حظرت الصين منتجاتها.
وقال مؤسس هواوي إنه سيعترض على اتخاذ أي إجراء من هذا القبيل ضد منافسه الأمريكي.
وأضاف رن: «أولاً وقبل كل شيء، لن يحدث هذا. وثانياً، إذا حدث ذلك، سأكون أول من يعترض. شركة Apple هي معلمي، وهي في المقدمة. وكتلميذ، لماذا أقف ضد معلمي؟ كلا».
وتشك حملة ترامب في أن هواوي تساعد بكين في التجسس، وتقود طموحات الصين لتصبح قوة تكنولوجية عظمى. واتُهمت لسنوات بسرقة الملكية الفكرية في دعاوى قضائية رفعتها شركات أمريكية مثل Cisco Systems و Motorola و T-Mobile US.
وقال النُقاد إن هذه السرقات ساعدت هواوي في الوصول لمستويات تكنولوجية عليا، إلا أن رن سخر من هذه الافتراضات.
وقال: «لقد سرقت التقنيات الأمريكية من المستقبل. فالولايات المتحدة لا تملك حتى هذه التقنيات. فنحن متقدمون على الولايات المتحدة. وإذا كنا متخلفين عنها، فلن تكون هناك حاجة لكي يهاجمنا ترامب بهذه الحدة».
يكذب سلوك رن الهادئ طريقته المعتادة في صرف الانتباه. فقد قدَّم رجل الأعمال الذي كان مهندساً سابقاً بالجيش هذا العام أداءً قيادياً أدى إلى تسليط الضوء عليه، لا سيما بالنسبة لشخص نادراً ما كان يتحدث إلى وسائل الإعلام الأجنبية منذ أن أنشأ شركة هواوي.
وأكد إعادة ظهور الرئيس التنفيذي المنعزل -الذي تحدث قبل شهر يناير/كانون الأول الماضي إلى وسائل إعلام أجنبية عام 2015- ضراوة الهجمات التي تتعرض لها هواوي، التي تعد أكبر رمز للقوة التكنولوجية المتنامية للصين.
وحاول مؤسس هواوي مرة أخرى الحد من التكهنات بأن شركته بأي حال من الأحوال تابعة للحزب الشيوعي، رغم أنه أعلن قبل ذلك ولائه للسلطة الحاكمة في البلاد.
لكن المشرعين الأمريكيين غير مقتنعين. ولذا أوقفت وزارة التجارة الأمريكية تصدير التكنولوجيا الأمريكية -من الرقاقات إلى البرمجيات وكل شيء فيما بين ذلك.
ولا يزال الملياردير، مؤسس هواوي الذي يعد شخصية أيقونية في الأوساط التجارية الصينية، صوتاً فريداً في صراع سيسهم في تشكيل المشهد العالمي. ولا يزال رن أيضاً، الذي يقول إنه نجا من فوضى الثورة الثقافية بفضل خبرته في مجال الأدوات عالية الدقة، مؤمناً إلى حد كبير بأن تكنولوجيا هواوي ستنتصر في النهاية.
وتحقق شركة مؤسس هواوي اليوم مبيعات أكثر من عمالقة الإنترنت Alibaba و Tencent مجتمعين. وفي عام 2018، تفوقت هواوي على Apple في مبيعات الهواتف الذكية، وهو انتصار صدَّق أوراق اعتماده التكنولوجية.
وتزين أقواله جدران قاعة الطعام بمقر شركة هواوي مترامي الأطراف بضواحي مدينة شنجن جنوبي الصين، ويتحدث الموظفون عنه بكل احترام. وأظهر تقرير الشركة لعام 2018 أن حصته التي تبلغ حوالي 1.14% تمنحه مبلغاً صافياً يُقدر بـ 2 مليار دولار أمريكي، وفقًا لمؤشر Bloomberg لمليارديرات العالم.
وقال مؤسس هواوي الذي نجا من مجاعة ماو تسي تونغ الكبرى ونجح في تأسيس شركة هواوي عام 1987 برأس مال 21 ألف يوان (حوالي 30 ألف دولار)، إن هواوي ستفعل كل ما بوسعها من أجل البقاء. وإنها ستتجاهل الضجة المثارة حولها أثناء تقديمها أفضل ما بوسعها. إلا أنه في الوقت نفسه، ستُلقي الضغوط الموجهة إليها بظلالها. وعند نقطة واحدة خلال المقابلة خرج رن عن هدوئه لدقيقة واحدة.
وقال رن بحدة: «لم تشتر الولايات المتحدة أبداً منتجات منا. وحتى لو أرادت الولايات المتحدة شراء منتجاتنا في المستقبل، لن أبيعها لهم. فلا حاجة للتفاوض».