ترجمة: عربي بوست
قصص مثيرة يرويها موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC عن رجال شاهدوا الحرب العالمية الثانية وهم أطفال، كيف أصبحوا يعانون ويلات القتال نفسياً فترات طويلة حتى بعدما انتهت الحرب، لكن آثارها لم تزل موجودة بداخلهم.
وبحسب الموقع البريطاني، في نهاية فيلم The Longest Day الذي أُنتج عام 1962، يشارك جندي مظلات أمريكي شاب سيجارة مع طيار بريطاني مقاتل يجسد شخصيته ريتشارد بورتن، بمكان ما في نورماندي. إنه لقاء بين البراءة والخبرة. الشخصية التي يجسدها بورتن تقاتل منذ أن تعرضت لندن للقصف، ولكنها تصاب بجرح في النهاية يُنهي مشاركتها في الحرب.
أما بالنسبة لبيتي آرثر داتش شولتز المتعوس، فالحرب لا تزال في بدايتها. فبعدما هبط بمظلته على شجرة تبعد أميالاً عن منطقة هبوطه التي كان مخططاً لها، فإنه قضى يومه الأول في الحرب باحثاً عن وحدته، يمشي باتجاه صوت القتال، لكنه لا يصل إليه أبداً. لم يطلق طلقة واحدة غاضباً بعد.
إلا أن ساعة الصفر أو اليوم-دي الحقيقي لداتش شولتز كان مختلفاً كثيراً عن هذا. صحيح أنه نزل في المكان الخاطئ، ولكن بعد اتصاله ببعض الجنود المتجولين الآخرين، سرعان ما تعرض لقصف مدافع الهاون وشهد قتلاً رحيماً لجندي أمريكي ذي جروح بالغة. وبحلول المساء، انخرط في معركة مريرة للسيطرة على جسر بالقرب من بلدة سان مير-إليجيس، استمرت أربعة أيام حتى انسحبت القوات الألمانية في نهاية المطاف.
بهولندا في سبتمبر/أيلول عام 1944، أدى شولتز صَلاته وتسبيحه محموماً عندما توفي قائد سريته نصب عينيه. وقضى أسبوعين بالمستشفى في ذلك الشتاء وهو يتلقى العلاج من الالتهاب الرئوي. وعندما عاد كان أكثر من نصف أفراد كتيبته قد قُتلوا بمعركة الثغرة. أما عن الأهوال المتراكمة في عملية تحرير معسكر اعتقال ووبيلين، فقد قال لاحقاً إنه «كان من الصعب التمييز بين الأحياء والأموات».
وبغض النظر عنما إذا كان ذلك الصبي الجامح، الذي أدى دوره ريتشارد بايمير في فيلم The Longest Day، له أي علاقة بشولتز الحقيقي الذي هبط بمظلته في فرنسا- فإن الرجل الذي عاد إلى موطنه في الولايات المتحدة كان مختلفاً تماماً. فقد عاد الرجل الذي وصفته صديقته بالمهرج السعيد المحظوظ، مغموراً بالحزن والكآبة. وبعدما تزوجا في ديسمبر/كانون الأول عام 1945، شهدت تجربتها الأولى لكوابيسه في أثناء سفرهما غرباً بالقطار لزيارة والديه. فقد صرخ في أثناء نومه وحاول القفز من نافذة القطار. كما لاحظت أنه بدأ أخذ جرعات من زجاجة الشراب بانتظام.
تقول كارول شولتز فينتو، ابنة شولتز: «كان أبي مدمناً الكحوليات، كان الأمر بمنزلة مداواة للذات حقّاً».
وأضافت: «كانت الرواية السائدة حينها متفائلة جدّاً. كان أبطال الحرب العالمية الثانية يشيدون مجتمع ما بعد الحرب المزدهر. وفضَّل المتحدثون عن زيادة أعداد الزيجات في الفترة التالية للحرب مباشرة، عدم ذكر عدد حالات الطلاق المسجلة. كما لم يتطرق أحد إلى حقيقة أن المستشفيات المخصصة للمحاربين القدامى كانت تعج بالرجال المصابين بمشكلات الصحة النفسية. لم تصوِّر أفلام الخمسينيات والستينيات حقيقة الحرب».
أخبرها والدها: «لم يكن الناس يريدون معرفة كيف كان الأمر».
وعكس كثير من المحاربين القدامى المضطربين، لم يكن داتش شولتز عنيفاً قط، ولم يدخل في نوبات غضب. فتقول كارول إنه عندما يكون مخموراً، كان يغمره «إما البلاهة وإما البكاء».
ولكن كوابيسه استمرت مدى الحياة. وقد وصفت والدة كارول أنها كانت تستيقظ دائماً لتجد الملاءة والمرتبة غارقتين في العَرق. وبعد طلاقهما، اتصل شولتز بكارول ذات ليلة وكان يبكي على الهاتف. فقد حاولت زوجته الجديدة قطع شرايين معصميها في الحمام، وقال شولتز حينها إنه أراد قتل نفسه. وقال إنه كان أباً مريعاً، ولكن كارول أخبرته بأن ذلك لم يكن صحيحاً. وبعد سنوات، عرفت أنه كان يوجه سلاحاً صوب رأسه حينما كانا يتحدثان.
وبعد ذلك، خضع شولتز لإعادة تأهيل، وأسَّس عملاً ينظم برامج مضادة لإدمان الكحول والمخدرات. وقد ناضل باستمرار لإقناع إدارة شؤون المحاربين القدامى لإدراك الجروح النفسية التي تسببها الحرب وعلاجها، ولكنه كسب معركته في عمر الثمانين قبل وفاته بسنتين.
وبعد اعتراف الحكومة الأمريكية بوجود اضطراب ما بعد الصدمة –أو Post-Traumatic Stress Disorder – PTSD– رسميّاً في عام 1980، بأعقاب حرب فيتنام، بدأ الباحثون يهتمون بتأثير المرض في عائلات الجنود. وكانت الدراسات تشير بالفعل إلى أن أطفال الناجين من الهولوكوست قد يكونون متأثرين بشدة، من جراء الصدمة التي تعرض لها آباؤهم. فقد كتب مؤلف الورقة البحثية الأولى التي تناولت صدمة الأجيال بين الناجين من الهولوكوست، قائلاً: «سيكون من الأسهل افتراض أن الأطفال قد عانوا أكثر من الوالدين جراء ذلك الجحيم الحارق».
وبالمقارنة، كانت هناك أعمال قليلة جدّاً عن عائلات محاربي الحرب العالمية الثانية الذين عانوا الاضطراب، ولكن هناك دراسة لروبرت روزينهيك، نُشرت في عام 1986، ركزت على عائلات خمسة رجال خضعوا لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة المزمن، وقادت هذه الدراسة إلى نطاق من النتائج المحتملة.
وكتب روزينهيك: «كان الأمر بالنسبة لبعض أبناء المحاربين القدامى كأنهم متورطون بشكل دائم في مِرجلٍ عاطفي مشترك».
فكانت الحياة بالنسبة لهؤلاء الأطفال سلسلة من التوقعات وردود الفعل لحالات آبائهم المزاجية ودوافعهم وهواجسهم. ونجم عن هذا بالنسبة إلى بعضهم، انشغالهم بالبقاء في مواجهة المخاطر أو كسب الصراعات، وهو انعكاس افتراضي للموضوعات التي تشغل آباءهم. وبالنسبة إلى البعضٍ الآخر، تمثلت المشاركة العاطفية في بذل جهود كبيرة للحفاظ على هدوء الآباء وراحة بالهم وحسن مزاجهم قدر الإمكان».
واحد من الأطفال الاثني عشر الذين أُجريت عليهم الدراسة -والذي نشأ وهو يعلم بأمر الكوابيس التي يشهدها والده- كان يعاني نفسُه الكوابيسَ التي يرى نفسه هو وأباه فيها وهما يحاربان، وأنه يحاول جاهداً حماية والده من أخطار الحرب.
والعكس، كان هناك أطفال آخرون ظلوا بمعزل عن آبائهم، وهناك من كانوا منعزلين بشكل عام عن الحياة العاطفية لعائلاتهم.
وقال روزينهيك إن الأطفال الأكثر تأثراً بحالة اضطراب ما بعد الصدمة لدى آبائهم يعانون «صدمة ثانوية»، في حين يُشار إلى المجموعة الأخرى الأقل إدراكاً لآبائهم بوصفهم محاربين قدامى، بالـ «منقذين». فهؤلاء أبدوا «حساً كبيراً بالمسؤولية» تجاه آبائهم.
تشعر كارول شولتز فينتو بأنها تنتمي إلى فئة «المنقذين»؛ فقد ظلت قريبة من أبيها وكانت مهتمة جدّاً بحياته ومشكلاته. وبعد العلاج، بدأت كارول تسأله عن الأشياء التي لم يتحدث عنها قط، وكتبت كتاباً عن تجارب وقت الحرب، وعن معاناته مع اضطراب ما بعد الصدمة، وعن فشل مجتمع ما بعد الحرب في إدراك معاناة كثير من محاربي «أعظم جيل».
غادر روي «إريك» كوبر، بورما في نهاية الحرب، إلا أن بورما لم تغادره قط، ذلك وفقاً لحفيدته سيري-آن إدموندز.
وتقول: «كل ثانية كل يوم، كانت بورما معه حتى لفًظ آخر أنفاسه. كان يستيقظ بسبب الكوابيس كل ليلة».
كان يستيقظ نحو الرابعة صباحاً، ليقوم بالتمرينات ذاتها على السجادة الرياضية كل صباح، مستخدماً علب الخضراوات أثقالاً، حتى توفي في فبراير/شباط هذا العام، عن عمر يناهز الثامنة والتسعين.
كان كوبر قناصاً في بورما، وكانت وظيفته هي تغطية القوات وهي تتقدم في الأدغال. وإن قتل رامٍ ياباني أحدَ رفاقه، كان يشعر بالمسؤولية حيال مقتله. وكان مضطرباً بالتحديد بحادثة مرت فيها طلقة بقبعته، لتصيب رجلاً آخر في رأسه. فكان يقول: «كان عليَّ أن أحميه».
وفي مناسبة أخرى، كان عليه البحث عن جثة صديق. وكان الجنود اليابانيون يأخذون الأحذية ويفخخون الجثث. وقد وصف كوبر أنه كان عليه وكز الجثة بعصا، ليتحقق من أنها آمنة ليحركها ويدفنها، بحسب الموقع البريطاني.
لقد أحبَّ بعض الجوانب الخاصة بالأدغال، فقد أحب العيش بالقرب من الحيوانات. تحمَّل العلق الطفيلي، وتعفُّن القدم، والقمصان التي بليت إثر تشرُّبها للعَرق. ولكن التجربة التي شكَّلته قبل ذلك بدأت تطارده.
وعكس كثير من الجنود في جيله، فإن كوبر أدرك فور عودته إلى المملكة المتحدة، أنه يعاني مشكلة ما. وكانت لديه الشجاعة ليذهب إلى الطبيب ويقول: «أشعر بأن عقلي ليس على ما يرام»، وفقاً لسيري-آن. ولكن للأسف، تسبب الطبيب النفسي الذي تولى حالته في تأخر الحالة، عندما وصف له جرعة كبيرة من الفاليوم استمر في تناولها عشر سنوات.
تقول سيري-آن: «كان ممتازاً في البداية، ثم ارتد الأمر عليه».
فقد بدأ في شرب الكحوليات بشراهة، وأصبحت تنتابه نوبات غضب مرعبة. ومع أنه لم يكن قَط عنيفاً جسديّاً إلى حدِّ علم سيري-آن، فإنه كان أحياناً يمثل تهديداً كبيراً.
بعد ذلك، قام بعمل ينمُّ عن قوة إرادة عظيمة حين توقف عن تناول الفاليوم، وتوقف عن تناول الكحول، وتعلَّم أن يقوِّي تحكُّمه في ذاته من خلال ممارسة الفنون القتالية. ولكنه الآن أصبح لديه مصدر آخر للشعور بالذنب، ألا وهو كيفية تصرفه مع عائلته.
أخبر سيري-آن بعد سنوات: «أنا رجل سيئ».
فأجابته: «بل أنت بطلي».
وقع كوبر من فوق مركبته عدة مرات في حياته، وكان دائماً عرضة لنوبات الغضب، إلى جانب الكوابيس والذكريات الارتجاعية. ولكنه كان أيضاً محباً وحامياً وداعماً لعائلته حتى وفاته، ذلك حسبما قالت سيري-آن.
ومع أن سلوكه قد تسبب في حدوث توتر وانقسامات بالعائلة، إلا أن سيري-آن نشأت قريبة جدّاً من جدها. فقد كان يثق بها ويستمع إليها عندما كانت تنصحه. وقد كانت مهتمة جدّاً بسلامته، وفعلت ما بوسعها لمساعدته. على الرغم من أن بينهما جيلاً، فإنها انعكاس لعلاقة «المنقذ» الموجودة بين كارول شولتز فينتو ووالدها.
وفقاً لباحثين من مركز بحوث الصحة العسكرية بجامعة كينغز في لندن، فهناك الآن وعي بوجود علاقة بين حوادث الموت والإصابة في ميدان المعركة وعدد من المشكلات النفسية، ذلك مع أنه قد يتم التعامل معها من خلال طبيعة المعركة، وأخلاقيات الفرق الحربية، وجودة القيادة.
شهدت نورماندي وبورما بعض أعنف المعارك في الحرب، وبحلول عام 1944، كانت القوات المسلحة البريطانية قد تعلمت أنه لا بد من توفير العلاج النفسي. لقد أثبتت التجربة أن «لكل رجل نقطة انهيار». إلا أن المراكز التي أُنشئت في نورماندي للعلاج النفسي كانت ممتلئة تماماً. وقد لزم الأمر إعادة كثير من الحالات إلى المملكة المتحدة.
كان تلقي العلاج بالقرب من الجبهة محدوداً للغاية. وكان يتم إعطاء المُهدِّئات للجنود، لتساعدهم على النوم، ومن ثم كان يتم إمدادهم بالطعام الجيد، وفرصة للاستحمام، ورفع معنوياتهم. أيضاً، كان يتم وصفهم بأنهم «منهَكون»؛ في محاولة لنزع الصفة الطبية من حالتهم. ويُعتقد أن مصطلح «الارتجاج الدماغي» أو Shell Shock الذي استُخدم في أثناء الحرب العالمية الأولى قد شجع الرجال على اعتقاد أنهم مرضى، وثبط من عملية التعافي الطبيعية.
ورغم المزاعم في ذلك الوقت، القائلة بأن هؤلاء الذين عولجوا من الإنهاك في نورماندي قد عادوا إلى وحداتهم، فإن حسابات الأستاذ الجامعي إدغار جونز، من مركز بحوث الصحة العسكرية بجامعة كينغز وستيفن إيرونسايد، تقول إن 1% فقط منهم عادوا إلى الحرب. كما عاد بعض آخر إلى المعركة بعد فترة نقاهة أطول، في حين عاد البعض إلى أعمالٍ خارج أرض المعركة أو أُعيدوا إلى منازلهم.
ويشير جونز أيضاً إلى أن كثيراً من الرجال المصابين بالاضطراب نجحوا في تدبُّر أمورهم من دون تلقي العلاج. ففي دراسة عن الأشخاص الذين يتلقون معاشات حربية، لإصابتهم بالأمراض النفسية بين عامي 1940 و1980، وجد فريق من الباحثين أن الأعراض العشرة الأكثر شيوعاً هي: القلق، والاكتئاب، ومشكلات النوم، والصداع، ونوبات الغضب، والرعشة، والصعوبة في إتمام المهام، وضعف التركيز، والمخاوف المتكررة، وتجنب التواصل الاجتماعي.
بعض تلك الأعراض قد تسهم في «المرجل العاطفي المشترك»، الذي قال روبرت روزينهيك إنه موجود في عائلات المحاربين القدامى، والذي يجعل بعض الأطفال يتشاركون آلام آبائهم.
إلا أنه بالنسبة إلى الأستاذة الجامعية سيوبهان أونيل، من جامعة أولستر، فإن الطريقة الأكثر وضوحاً التي تؤثر بها صدمة الأب في الأبناء هي الحول دون تنمية رابطة قوية وآمنة بين الوالد والطفل في السنوات الأولى من حياته.
فتقول: «من المتفق عليه أن التأثير في الرابطة بين الوالد والطفل سيؤثر في الصحة العقلية. فإن الأب المصاب باضطراب ما بعد الصدمة قد يواجه صعوبة في تكوين رابطة آمنة مع الطفل، والعائلات التي تأثرت بالعنف، وشهدت تعاطي المخدرات والكحول عائلات مختلة وظيفيّاً، وهذا أمر مؤذٍ وقد يؤذي الأطفال أيضاً».
كما وجدت دراسة حديثة «معقولة» تشير إلى أن تأثيرات الصدمة يمكن توريثها من خلال تغيرات كيميائية تحدث في الجينات السطحية، وهو ما يغير من طريقة السلوك. هذا التخصص الدراسي معروف بعلم الوراثة فوق الجينية؛ فقد تمت مقارنة العلاقة بين الجينات والتغيرات الكيميائية التي تحدث على سطحها (العلامات فوق الجينية) بالعلاقة بين المكونات الصلبة للحاسب الآلي وبرمجياته، بحسب الموقع البريطاني.
وتشير أونيل إلى دراسة أُجريت على فئران تم تعريضها لصدمات كهربائية عند تعريضها لرائحة زهور الكرز. فوجد الباحثون أن الأطفال والأحفاد أيضاً تظهر عليها علامات القلق في وجود تلك الرائحة.
كما كان هناك كثير من الدراسات المثيرة للاهتمام التي أُجريت على البشر. فإحداها كشفت أن الأجنَّة في وقت الحرب الألمانية كانوا أكثر عرضة للإصابة بالسمنة في سن الرشد، وأنهم كانوا يموتون أصغر سنّاً مقارنة بهؤلاء الذين بدأ الحمل فيهم قبل الحرب أو بعدها. كما وجد الباحثون أيضاً علامة فوق جينية مشتركة بين هؤلاء الأطفال.
ولكن، في حين حدد العلماء المسار الجزيئي الذي قد تنتقل من خلاله تأثيرات الصدمة من الوالد إلى الطفل في الفئران، فإنه لم يحدَّد بعدُ لدى البشر.
«في الوقت الراهن، تمثل فكرة الآليات فوق الجينية التي ترتكز عليها الملاحظات الإكلينيكية بشأن ذرية الناجين من الصدمات فرضية لا تزال محل اختبار»، ذلك حسبما كتبت راتشيل يهودا، رائدة بالمجال، في ورقة بحثية لها بالمشاركة مع إيمي ليهرنير العام الماضي (2018).
وتشير أونيل إلى أنه أحياناً ما يكون هناك تصدٍّ لفكرة انتقال الصدمة عبر الأجيال من خلال ما فوق الجينات، «لأنها تبدو مُقدَّرة… فكرة أنك محكوم عليك من البداية، وأن الأطفال يولدون بعيب».
إن كنا جميعاً نحمل آثاراً حيوية من صدمات أجدادنا وأسلافنا في الحروب، فضلاً عن تجاربهم في المجاعات، أو حوادث الاغتصاب، أو التهجير الإجباري، أو العبودية، فحتماً ما ستكون الصورة كئيبة.
لكن أونيل تلفت الانتباه إلى أن العلامات فوق الجينية، على الأرجح تشير إلى وجود الاستعداد، ولا تؤدي إلى نتيجة حتمية، ويمكن عكسها.
وإذا نحَّينا علم الوراثة فوق الجينية جانباً، فإن الدراسة التي أُجريت على المحاربين القدامى الذين يتلقَّون المعاش نظير إصابتهم بأمراض نفسية أيضاً تؤكد أن الناس يستطيعون التحسن، عكس داتش شولتز وإيريك كوبر. ففي هذه الأيام أصبح العلاج السلوكي المعرفي أو Cognitive Behavioral Therapy – CBT فعالاً في أغلب الأحوال.
وتقول أونيل إنه من الممكن تحويل الصدمة إلى شيء إيجابي. «كثيراً ما يتحدث الناس عن أن حياتهم أصبحت أفضل لهذا السبب. لقد عانت الأم والأب المحن، ولكن الأطفال تغلبوا عليها. إنهم أقوياء، وهم ملتزمون ألا يتعرض أبناؤهم للمحن»