عامر سلطان- بي بي سي
علمت بي بي سي أن مصر طلبت رسميا من بريطانيا منع خروج رأس تمثال الأله آمون الذي يحمل ملامح وجه توت عنغ آمون من الأراضي البريطانية بعد بيعه في مزاد علني الأسبوع الماضي.
وتشير المعلومات إلى أن مصر تتجه إلى رفع قضية أمام المحاكم البريطانية سعيا لاسترداد الرأس الذي تعتبره ملكية مصرية مسروقة، حسبما قالت مصرية مصادر مطلعة لبي بي سي.
وكانت دار كريستيز للمزادات الشهيرة قد باعت الرأس بحوالي 5 ملايين جنيه استرليني رغم احتجاجات مصر المتكررة. وبيعت في المزاد أيضا 32 قطعة أثرية أخرى من بينها لوحة حجرية لوجه الآله آمون.
"أرسلت مصر طلبا رسميا إلى وزارة الثقافة والإعلام والرياضة البريطانية بعدم إصدار أي ترخيص لتصدير للقطع الأثرية حتى حسم النزاع بشأن ملكيتها وطرق خروجها من الأراضي المصرية"، حسبما قالت مصادر مصرية وثيقة الاطلاع على مداولات السلطات المصرية المختصة.
ولم تعلن كريستيز عن اسم مشتري رأس توت عنخ آمون بناء على طلبه، كما تقول.
وأشارت متحدثة باسم الدار، في تصريحات لبي بي سي، إلى أن كريسيتز لا ترى أي نزاع قانوني بشأن الرأس. ووصفت المزاد بأنه قانوني "لأنه تم التحقق من الملكية الحديثة للأثر".
وردا على سؤال بشأن معلومات الدار عن طريقة خروج رأس توت عنخ آمون من مصر، قالت المتحدثة "تعقب الأعمال الآثرية لآلاف السنين أمر غير ممكن".
وكانت كريستيز قد نشرت تاريخا مختصرا للأشخاص الذين تبادلوا ملكية الرأس خلال الخمسين عاما الآخيرة في أوروبا. غير أن تحقيقا استقصائيا نشره أخيرا موقع "لايف ساينس" المتخصص في التاريخ شكك في صحة رواية كريستيز بشأن الملكية.
وتطعن مصر في طريقة خروج رأس توت غنخ آمون من أراضيها. وتؤكد أن كريستيز لم تطلعها لا على أوراق الملكية الحديثة ولا أي وثائق تبرهن على خروجه من مصر بطريقة مشروعة وبعلم سلطاتها. ولذلك، فإن مصر تعتبر الآثر مسروقا ويجب استعادته.
ويحق للمشتري أن يطلب من مجلس فنون انجلترا، التابع لوزارة الثقافة البريطانية، منحه ترخيصا بإخراج الأثر الثمين من بريطانيا إن رغب في ذلك.
ووفقا للمصادر، فقد طلبت مصر أيضا تدخل وزارتي الخارجية والداخلية البريطانيتين للمساعدة في استرداد الآثار المباعة.
وليس من المتوقع أن تتدخل الوزارتان في القضية لأنها تتعلق بالقانون ولا سلطة لهما على كريستيز أو المشتري.
وتدعو الخارجية البريطانية دائما إلى أن تتم أي عملية بيع للأعمال الأثرية والفنية وفقا للقانون.
ويُرتقب أن تتخذ اللجنة القومية للآثار المستردة، في مصر، خلال اجتماع طاريء الاثنين قرارا بشأن خطوتها التالية ضد كريستيز ومشتري رأس توت غنخ آمون.
وتقول المصادر إن الاتجاه السائد هو أن تقرر اللجنة، برئاسة خالد العناني وزير الآثار، رفع قضية أمام محكمة بريطانية تطلب استرداد القطعة.
وحسب المصادر، فإن "قرارا اتخذ على أعلى مستوى لسلوك كل الطرق بما فيها القضائية لاسترداد الآثار المباعة".
وتتشكل اللجنة القومية للآثار المستردة من خبراء آثار وممثلين عن وزارات العدل والخارجية والداخلية والنيابة العامة وجهات أمنية.
وتقول المصادر إن شخصيات مصرية تقيم في بريطانيا تعهدت بدفع تكاليف مقاضاة كريستيز في بريطانيا.
ويعتبر قانون صادر في مصر عام 1983 بهدف حماية الآثار أن أي أثر مصري يوجد في الخارج دون أن يملك حائزه ترخيص تصدير هو ملكية مصرية مسروقة لا يسقط بالتقادم الحق في المطالبة باسترداده.
وقبل صدور هذا القانون، كانت السلطات المصرية تمنح بعثات التنقيب رخصا لإخراج بعض القطع من مصر، غير أنه لم يُكن يسمح بخروج القطع الأثرية ذات القيمة العالية أو تلك التي تنتمي إلى الأسر الملكية التي حكمت مصر الفرعونية.
ويعتقد زاهي حواس، وزير الآثار المصري السابق، أن رأس توت عنخ آمون سُرق في السبعينيات من معبد الكرنك الشهير في محافظة الأقصر، جنوبي مصر.
ما هي أهمية رأس توت عنخ آمون؟
يتمتع الفرعون المصري توت عنخ آمون، الذي تولى الملك وهو في سن التاسعة وتوفي هو في التاسعة عشرة من عمره وأي آثار تتعلق به بشعبية هائلة في الغرب منذ اكتشاف خبير الآثار البريطاني الشهير هوارد كارتر مقبرته في عام 1922.
وحسب خبراء الآثار في كريستيز ، فان الرأس هي للإله آمون وتحمل ملامح توت عنخ آمون، الذي يعني اسمه باللغة الهيلوغريفية " الصورة الحية لآمون".
ويعكس الرأس درجة عالية من الدقة الفنية في تصوير ملامح الفرعون الصغير.
ويعتقد الخبراء أن الرأس جزء من تمثال جالس أو واقف. ولا يوجد تفسير لتهشم الأنف في الرأس.
تقول كريستيز إنه لا يوجد نزاع قانوني بشأن رأس توت عنخ آمون. وتؤكد أنها "تملك الوثائق التي تثبت الملكية الحديثة له ولا يمكنها، بحكم الطبيعة الأثرية للقطعة، تتبع مصدرها لآلاف السنين".
وترفض الدار تأكيد ما إذا كان لديها وثائق تؤكد خروج الرأس من مصر بطريقة مشروعة. كما تعتقد أنه يكفي أن يكون لديها السند القانوني لملكيته قبل طرحه في المزاد.
أما مصر، فتقول إنها لم تطلع حتى على وثائق الملكية. وتصر على أنه حتى لو توفرت لدى كريستيز وثائق ملكية، فان الأهم هو أن توجد وثيقة تبرهن على خروجه من الأراضي المصرية بطريقة شرعية.
ويؤكد طارق عادل، سفير مصر في لندن، إنه سعى لإقناع كريستيز بتأجيل المزاد كبادرة حسن نية حتى يتم التأكد من صحة الوثائق، لكن الدار لم تستجب.
وتقول وزارة الآثار المصرية إنها تعتبر القطعة مسروقة وتقضي القوانين المحلية المصرية والدولية بإعادتها إلى مصر.
ويعتبر قانون حماية الآثار المصرية، الصادر عام 1983، وتعديلاته اللاحقة أي قطعة أثرية خرجت من مصر دون ترخيص ملكية مصرية مسروقة لا يسقط الحق في استعادتها بالتقادم.
طلبت مصر تدخل وزارات الخارجية والداخلية والثقافة.
ليس من المتوقع ان تتدخل الخارجية البريطانية، التي تقول إن مصر أبلغتها بقلقها إزاء بيع الآثار في كريستيز.
وتقول الوزارة إن هذه القضية تُحل بين مصر وكريسيتز . وباعتبار أن بريطانيا ينظر إليها على أنها ثاني أكبر سوق للآثار والأعمال الفنية في العالم، تدعو الخارجية البريطانية دائما لأن تمارس أي معاملات تجارية في الآثار وفق القانون.
ونظرا للطابع القانوني القضية ولأن كريستيز شركة خاصة، ليس هناك إمكانية لأن تساعد الداخلية البريطانية مصر لاستعادة الرأس.
والجهة الوحيدة التي يمكنها التدخل، ولكن بشكل محدود هي مجلس انجلترا للفنون التابع لوزارة الثقافة. فالمجلس هو الذي يصدر تراخيص تصدير الأعمال الفنية والأثرية من بريطانيا في حالة وجود نزاع بشأنها. ولذلك تسعى مصر لمنع خروج الرأس من بريطانيا إن رغب المشتري في ذلك، لحين تسوية الخلاف.
وسعت مصر أيضا لتفويض النيابة البريطانية للتدخل لمحاولة وقف المزاد واستعادة الأثر القيم . غير أنه نظرا لأن القضية مدنية ، حسب رأي النيابة البريطانية، فإنها تعتقد ألا دور لها فيها.
يقول خبراء إن الطريق الوحيد أمام السلطات المصرية هو اللجوء إلى القضاء البريطاني.
ويتعين على مصر أن تقدم أدلة تؤكد أن القطعة خرجت من أراضيها بدون علم السلطات وبطريق غير مشروع، ثم ترفع قضية مدنية ضد كريستيز أمام المحكمة العليا البريطانية لاستردادها.