بيروت التي لا نراها.. الوشم والسمرة وموسيقى التكنو
الاربعاء 24 يوليو 2019 الساعة 10:10
تعز أونلاين- The Guardian

ترجمة: عربي بوست

رصد تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية حال بعض الشباب اللبناني الذي لا يعرفه الكثيرون والذي كشف عن عالم آخر يعيشه اللبنانيون بعيداً عن الحرب الأهلية والمعارك في سوريا، إنه عالم الوشوم والسمرة ومسيقى التكنو.

تقول المصورة تشا غونزاليس: «تُعَدُّ الحفلات بمثابة أماكن مُتميزة، ومساحةً للاستكشاف، ووقتاً للاندماج». فضلاً عن كون الحفلات محور اهتمام سلسلتها التي تحمل اسم «اهجر Abandon»، والتي تُسلِّط الضوء على كيفية استغلال بعض اللبنانيين للحياة الليلية -وموسيقى التكنو تحديداً- بصفتها مُتنفَّساً في أعقاب صدمة الحرب الأهلية التي أصابت البلاد على مدار 15 عاماً، قبل أن تنتهي في التسعينيات. وتُضيف تشا: «أعرف الكثير من الناس الذين وُلِدوا إبان الحرب أو في المنفى. وتظهر الأشياء التي يُحاولون تجنُّبها طوال اليوم جليةً تحت أضواء الحفلات، لتحتل صراعاتهم الداخلية خشبة المسرح».

ولا تُعتبر سلسلة Abandon بمثابة موضوعٍ وثيق الصلة بالأمر لدى تشا وحدها، ولكنه موضوعٌ يشترك فيه الـ16 مُساهماً في معرضٍ باريسي يحمل اسم «هذه بيروت C’est Beyrouth«، ويستضيفه «معهد ثقافات الإسلام في باريس«. لكن تشا تحديداً استحوذت على مشهد الرقص في المدينة، قبل أن تُواصل سلسلتها حيث تعيش في باريس؛ لأنَّ «هناك شيئاً يُمكن قوله حول البلدان البعيدة عن الحرب أيضاً. فالحرب هنا داخلنا: كيف نشعر بانعدام الفائدة، والوحدة، والملل، والذنب».

الوشم الديني

لاحظ المصور حسن عمار شكلاً فريداً من أشكال التعبير في أوساط المجتمع الشيعي داخل بيروت. كان عمار يعيش بعيداً عن وطنه الأم، لكنه عاد لتغطية ذكرى عاشوراء -اليوم العاشر من شهر المحرم، الشهر الأول في التقويم الهجري الإسلامي- حين شاهد رجلاً برأسٍ حليق وموشوم. ويقول: «في بلد مثل لبنان، لا ترى الكثير من الناس بوشومٍ على وجوههم».

شاب يضع وشماً على صدره/ الغارديان

وعلى مدار بضعة أشهر، أجرى مقابلات مع الرجل في محلات الوشم وهم يحفرون صوراً لعلي (تلميذ النبي محمد صلى الله عليه وسلم) وحسن نصرالله (الأمين العام لحزب الله) على جلودهم. وقال الرجال لعمار إنَّ الوشوم تُوفِّر لهم طريقةٍ للتعبير عن تضامنهم مع حزب الله دون ارتكاب سلوكٍ مُتشدِّد. ويقول عمار عن الشخص الذي يحصل على تلك الوشوم عادةً: «هو ليس مُقاتلاً، ولا يحمل الأسلحة أو يمضي إلى الحرب، ولكن رسالته هي: أنا لست خائفاً». وأشار عمار أيضاً إلى أنَّهم رغم ذلك «لا يذهبون للصلاة.. وأن حياتهم هي عكس حياة المتدينين».

كيف يرى المسيحيون الأمر؟

لكن باتريك باز وثَّق نوعاً آخر من أنواع التعبير عن الذات. إذ تُسلِّط سلسلته «مسيحيو لبنان Chrétiens du Liban» الضوء بفضولٍ على المجتمع المسيحي في بيروت، الذي ينتشر على أطراف المدينة. وقضى باز ثلاثة عقودٍ من الزمن في العمل مراسلاً للحرب حتى عام 2014، حين دفعته حالة «اضطراب الكرب التالي للرضح (اضطراب ما بعد الصدمة)» إلى التوقُّف عن ممارسة عمل وكالات الأنباء المُضني. وانتقل بعد ذلك إلى العمل على سلسلته الحالية. ويقول: «كُنت أُعيد استكشاف وطني».

مسيحيون لبنانيون في بيروت/ الغارديان

ويُضيف باز أنَّه حين نظر من حوله بعيونٍ جديدة، وجد أنَّ الحضور واللافتات «المرئية للغاية» في هذا المجتمع تقف في تناقضٍ حاد مع «المجتمعات الأخرى التي لا تمتلك هذا النوع من المنهاج المسرحي في دينهم»، مُشيراً بذلك إلى الشيعة والسنة والدروز الأكبر عدداً بين الطوائف الدينية الـ18 المُعترف بها داخل البلاد.

وتتجلَّى عظمة الأيقونات -الصلبان الطويلة التي تخترق خط الأفق أو انتشار تماثيل يسوع الضخمة- التي وثَّقها في صورةٍ سينمائيةٍ بالغة الإبهار، لدرجةٍ يبدو معها وكأنَّ فيلم Roma الذي أخرجه فيديريكو فليني قد تحوَّل إلى مجموعة تصاميمٍ شرق أوسطية.

مكتسبو السمرة

شاب لبناني / الغارديان

أما فياني لو كار، مصور الشارع فرنسي المولد، فتتميَّز سلسلته بطابعٍ أكبر من الحياة. إذ كان يعمل لصالح منظمةٍ غير حكومية في لبنان، حين بدأ ينشغل بمشاهدة رجالٍ يُصلُّون -بين التمرين واكتساب السُمرة- أثناء جولاته الصباحية سيراً على الأقدام في كورنيش بيروت. وتُمثِّل سلسلة «مُكتسبي السُمرة Les Bronzeurs» تصويراً مُذهلاً للرجولة. إذ يقول: «وجدت أنَّ ذلك العامل الذي يجمع بين الإسلام والعُري كان فريداً من نوعه. فهؤلاء الرجال يختلفون عن أي شخصٍ آخر رأيته في الشرق الأوسط سابقاً».

صوَّر لو كار سلسلته في أوج نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2015، لكنه يقول إنَّ أخوية شباب الكورنيش مثَّلت وجهة نظرٍ مدهشة تُناقض حقيقة أن «رجالاً من نفس طائفتهم يقطعون رؤوس الناس ويرتكبون كل فظائعهم باسم الإسلام، على بُعد ساعتين فقط من ذلك المكان».

سلسلة رجال الشرطة

وتُركِّز سلسلة «رجال الشرطة Policemen» للمصور زياد عنتر على مجازٍ يسهل التعرُّف إليه: الزي الرسمي ودوره في تمثيل رموز السلطة. إذ قام بتصوير قرابة العشرة ضباط شرطة بجوار دراجاتهم النارية، منفردين، داخل الأستوديو. ويقول: «وجَّهت إليهم الدعوة رسمياً، إذ توجَّهت إلى مركز الشرطة. وقبلوا دعوتي، لكنَّني لا أعرف السبب». واختار عنتر التقاط صور رجال الشرطة على مستوى العين، ليكسر الميل الشائع لتصوير رجال السلطة من الأسفل.

ويقول عنتر: «في البلدان التي تشهد الصراعات، تُوجد الكثير من العيوب في ما يتعلَّق بالعنف والأسلحة وكيفية احترام الناس للقوانين. وهناك معايير مُختلفة لاحترام واقع البلد». وتبدو الصور وكأنها مأخوذةٌ تقريباً من تصوير مسلسلٍ تلفزيوني مبتذل، رغم كونها سلسلةً وثائقية.

لكن عنتر يحرص على التأكِّيد على أن عرض منظورٍ للمنطقة لا يُعَدُّ اختصاراً لفهم الثقافة. إذ حذَّر من المعارض التي تُركِّز على مكانٍ بعينه، قائلاً: «أنت لا تعرض العالم العربي. ولكنَّها طريقةٌ لعرض ما يفعله فنانو العالم العربي».

الجمع بين المجتمعات المتباينة 

وهذه هي الفكرة التي حفَّزت سبيل غصوب -الذي نظَّم المعرض تحت رعايته- لتغيير طريقة تصوُّر بيروت وتخيُّلها، والجمع بين المجتمعات المتباينة التي كان يتجوَّل بينها بوصفه غريباً (إذ وُلِدَ في فرنسا، لكنه يُقيم في لبنان منذ سنوات). ويُوفِّر المعرض وجهة نظرٍ مرئية مُناقضة لوجهة النظر السطحية السائدة حول البلاد، والتي تبدو هامشيةً ومُختزلة، ويُقدِّم فهماً أكثر دقة للتعقيدات الإقليمية.

ومما لا شكَّ فيه أنَّ طيف الموضوعات التي يستكشفها الفنانون المحليون يتوسَّع أكثر فأكثر، وخير دليلٍ على ذلك هو أعمال محمد عبدوني. إذ تُسلِّط سلسلته «دوريس وأندريه Doris & Andrea» الضوء على التفاعلات اليومية الحنونة بين الأم وابنها طوال أسابيع. وتظهر حقيقة كون أندريه من أحرار الجنس عرضاً وسط علاقتهما.


متعلقات