ترجمة: عربي بوست
في واحدٍ من أهم التحوُّلات الطارئة على الصراع البادئ في اليمن منذ أربعة أعوامٍ، قررت الإمارات الشهر الماضي الحدِّ من حضورها في الدولة المدمَّرة بفعل الحرب.
لكن السؤال الآن هو: هل كانت هذه الخطوة من الإمارات -التي هي حتى الآن جزء أساسي في التحالف بقيادة السعودية لمحاربة قوات الحوثيين الموالية لإيران في اليمن- ستعزِّز المجهودات لإنهاء الصراع، أم ستترك فراغاً يؤدِّي إلى تصعيد العنف؟
ليس سعيد عباد متفائلاً بتحقُّق الاحتمال الأول، قُبيل عامٍ مضى، هرب سعيد وأسرته من مدينة الحُديدة إلى جانب مئات آلاف اليمنيين الآخرين بعد شنِّ القوات المحلية بقيادة الإمارات العربية المتحدة هجوماً على هذا الميناء الاستراتيجي. وقد عادوا في مايو/أيار الماضي ويعيشون الآن في العواقب المبهمة.
قال عباد لصحيفة The Financial Times البريطانية، وهو أبٌ لثلاثة أبناء: «سمعنا عن كون انسحاب القوات الإماراتية خطوةً نحو السلام، لكننا لم نشعر بذلك. فما زالت المعارك مستمرةً. يحاول كل فريقٍ في الحرب أن يثبت للعالم أنه يسعى إلى السلام، لكن أيديهم ما زالت على الزناد».
وليس تشاؤم سعيد بلا مبررٍ. فمنذ مارس/آذار 2015، حُوصر الشعب اليمني في صراعٍ أهليٍّ تطوَّر إلى حربٍ بالوكالة تقودها الرياض ضد الحوثيين. وقد شُنَّ الهجوم بقيادة الإمارات على الحديدة العام الماضي -وهي كبرى معارك الصراع- وسط مزاعم بأن الحوثيين يستعملون الميناء لتهريب أسلحةٍ من إيران.
وأوقِف الهجوم بعد احتجاجٍ دوليٍّ عامٍّ بشأن الأضرار الإنسانيةالناتجة عنه، في دولةٍ وصل 10 ملايين شخصٍ فيها إلى حد المجاعة. وفي ديسمبر/كانون الأول الفائت، توصلت المباحثات التي أجرتها الأمم المتحدة في استوكهولم إلى اتفاقٍ يقضي بخروج الحوثيين والقوات المحلية الموالية للحكومة من المدينة.
ولكن كان تنفيذ اتفاق السلام هذا بطيئاً على نحوٍ مؤلمٍ، إذ استمر الصراع في أنحاء البلاد، بما في ذلك حول الحديدة. ومع ذلك، يأمل المسؤولون الدبلوماسيون بالأمم المتحدة في تعزيز قرار الإمارات لمجهوداتهم الساعية إلى وقف إطلاق النار على نطاقٍ أوسع.
وقد ناقشت الإمارات قرار الانسحاب لأكثر من عامٍ، ولكن اكتسبت العملية دفعةً جديدةً بعد إبرام اتفاق استوكهولم. وانسحب الحوثيون من طرفٍ واحدٍ من الحديدة شهر مايو/أيار، وترصد الأمم المتحدة تدفُّق السلع إلى داخل الميناء وخارجه.
وخمَّن بعض الأطراف كذلك أن خروج الإمارات قائمٌ جزئياً على رغبةٍ في إعادة القوات والعتاد العسكري إلى الديار في حال أسفرت حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في الشهور الماضية إلى نشوب صراعٍ أكبر حجماً. وقد أوضح مسؤولٌ غربيٌّ أن هذا الخوف سيُجبر جميع الأطراف على وقف التصعيد لتلافي تكوين «جبهةٍ ثانيةٍ».
وقال أحد المسؤولين الغربيين لفايننشال تايمز: «أرى أن هناك توافقاً في المنطقة حول منطقية السلام.. لمصلحة إيران، وكذلك لمصلحة السعودية لأنه سيوقف التصعيد على حدودها المشتركة مع اليمن، ولمصلحة الإمارات بسبب الأضرار المُلحَقة بسمعتها. هذا منظورٌ تفاؤليٌّ.. لكنه ليس خارج حدود المستطاع».
وصرَّح مارتن غريفيث، مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هذا الشهر بأن الصراع «جلياً يمكن حلُّه».
ومن جانبه، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش هذا الشهر إن التحالف العسكري يستعد «للمرحلة التالية» في اليمن، بينما شدّد الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، على دعمه لإيجاد «حلٍّ سياسيٍّ». ولكنه أبرز كذلك الحاجة إلى «إنهاء التدخل الإيراني في اليمن».
وبعد ساعاتٍ، شنَّ الحوثيون هجوماً بطائرةٍ مسيَّرةٍ على أحد المطارات السعودية، وكانت هذه آخر حلقةٍ في سلسلةٍ من هجمات ميليشياتهم المكثَّفة على أهدافٍ داخل المملكة في الأسابيع الأخيرة.
يُذكر أن حجم النفوذ الإيراني على الحوثيين أمرٌ مثيرٌ للجدل. إذ تعتبر الرياض وأبوظبي وواشنطن قوات المعارضة وكلاء لإيران، وقد صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الشهر بأنه يرغب في «إخراجهم [أي إيران] من اليمن».
لكن يقول الدبلوماسيين والخبراء إنه «تحالفٌ انتهازيٌّ» في الأساس وأقل أيديولوجيةً من دعم طهران للميليشيات في لبنان والعراق وسوريا. ويضيفون أن هناك توتراتٍ بين أوساط الحوثيين حول إلى أي درجةٍ ينبغي لهم ربط أنفسهم بطهران.
وعلَّق المحلل السياسي لدى مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية فارع المسلمي قائلاً: «ليس مأزقاً يُحال الخروج منه. يمكن [وقف إطلاق النار] في وجود الوسيط المناسب. والحدُّ من نفوذ إيران في اليمن أبسط من لبنان أو سوريا».
ستعتمد عوامل كثيرةٌ على إذا كان السعوديون والحوثيون ما زالوا مؤمنين بقدرتهم على الوصول إلى حلٍّ عسكريٍّ. ويقول محللون إن المعارضة الذين يحكمون سيطرتهم على شمال اليمن قد يحاولون استغلال انسحاب الإمارات للزحف جنوباً. وبينما تصرُّ الرياض على إنهاء الصراع، فقد صدرت تقارير بأنها تنشر قواتاً في الوقت الحالي لسد الفجوة التي خلَّفها الإماراتيون.
وجاء على لسان بيتر سالزبوري، خبير الفريق البحثي Crisis Group في شؤون اليمن: «لم تتغير الشروط الأساسية لإنهاء الصراع، ولا العوائق في طريق السلام. يقول السعوديون إنهم يريدون إنهاء الصراع بنهاية عام 2019، لكن هل هم مستعدون لتقديم التنازلات المطلوبة لتحقيق ذلك؟».
وأضاف: «نحن في لحظةٍ أخرى يمكن أن تؤدي إلى أحد احتمالين، والطريق نحو تجديد الصراع وتكثيفه أشدُّ وعورةً بكثيرٍ من الطريق نحو التقدم السياسي».