ترجمة: عربي بوست
لم تكن العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة دائماً سلسة. حتى قبل استقلال الأخيرة عام 1971، كانت العلاقات بين العائلات الحاكمة -آل نهيان في أبوظبي وآل سعود في الرياض- متوترة بسبب النزاعات الحدودية وصراعات السلطة.
ومع ذلك، يبدو اليوم أن البلدين متقاربان أكثر من أي وقت مضى. أظهرت السعودية والإمارات على مدار العقد الماضي شراكة قوية في عمليات صنع القرار، وتراقبان عن كثب القضايا الاستراتيجية الرئيسية في منطقتهما. وظهرت قوة تعاونهما في مصالح وساحات متنوعة، مثل دعم وصول عبدالفتاح السيسي إلى السلطة في مصر عام 2014، وتحالف قواتهما في حرب اليمن عام 2015، وفرض حصار على قطر منذ عام 2017، وفرض قوانين محلية في البلدين مثل «ضريبة القيمة المضافة» عام 2018، وكلها أمور تحدث في وقت التغيرات السريعة والمهمة التي تشهدها أراضيهما.
يرتكز التحالف بين البلدين على العلاقات الشخصية الوثيقة بين حكامهما، محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة ومحمد بن زايد ولي العهد الإماراتي والحاكم الفعلي للبلاد. كذلك يستند هذا التحالف إلى وجهات نظر عالمية متماثلة لكن ليست متطابقة يتبناها البلدان وتنطوي على اعتقاد مشترك بأن «الإسلام السياسي والنفوذ الإيراني يشكلان قوتين مزعزعتين للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط». ومع ذلك، مثلما هو الحال في العلاقات الرومانسية، كلما كانت العلاقة قوية ووثيقة، زادت الصعوبات التي تشهدها هذه العلاقة.
يقول كل من يوئيل غوزانسكي الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، وزميله موران زاغا الباحث في السياسات الخارجية الإقليمية بجامعة حيفا في إسرائيل، بمادة تحليلية منشورة لهما في مجلة The National Interest الأمريكية حول التحولات بالعلاقات الإماراتية السعودية، إن التوتر الأخير في الخليج يعطي لمحة عن واحد من النزاعات العديدة بين السعودية الإمارات حول ردود الفعل المناسبة تجاه التحديات المشتركة، وهذه المرة مع إيران.
الأزمة مع إيران: إذ بينما اتخذت السعودية موقفاً علنياً باستخدام لهجة عدائية تجاه إيران، ظلت الإمارات غامضة في تغطيتها الإعلامية للأحداث ولم توجه أصابع الاتهام مباشرةً إلى إيران. ففي الهجوم الأول على أربع ناقلات نفط في خليج عمان يوم 12 مايو/أيار الماضي، حاولت الإمارات التقليل من أهمية الهجمات، مدعيةً أن الأضرار الناجمة عنها كانت طفيفة. حتى أن بعض التقارير زعمت أن السعودية فضلت الرد العسكري تجاه إيران، في حين سعت الإمارات إلى تهدئة الموقف من خلال حل دبلوماسي.
الحرب مع اليمن: هناك نزاع آخر بين البلدين يتعلق بحرب اليمن. منذ عام 2015، تشترك السعودية والإمارات في قيادة حملة عسكرية باليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران بالأسلحة والمستشارين والأموال. وفي حين ركزت القوات السعودية على العمليات الجوية، لعب الجيش الإماراتي دوراً أهم على الأرض؛ ما أدى إلى العديد من النتائج التي قلبت الموازين.
ورغم أن السعوديين هم الذين قادوا حلفاءهم إلى الحرب، أصبحت الإمارات الآن هي من تتولى عجلة القيادة بالانسحاب تدريجياً من اليمن. وبطبيعتها الحذرة والمعقدة، أعادت الإمارات التفكير في معاركها على الجبهات المتسعة وأدركت أن تركيزها يجب أن يُوجه إلى التحديات العاجلة والأساسية. ومع تزايد التوتر مع إيران، اتخذت الإمارات خطوة سريعة لمواجهة هذا التهديد المتزايد باهتمام أكبر وإعادة تخصيص الموارد لأي تطور محتمل.
كانت الانتقادات الدولية المتزايدة للكوارث الإنسانية التي سببتها حرب اليمن بمثابة حافز آخر للانسحاب الإماراتي. ويُعد انسحاب الإمارات من اليمن دون تنسيق مرضٍ ومقبول من السعودية مصدراً محتملاً للصراع بينهما وضربة قاتلة لمحاولة الأخيرة تحقيق الانتصار في هذه الساحة.
يقول الباحثان الإسرائيليان إنه وبالرغم من التوتر المتزايد والخلافات الواضحة بين البلدين، لم تتأزم علاقتهما بعد؛ لأنها قائمة على شراكة أيديولوجية واستراتيجية عميقة.
تدور الخلافات في هذه المرحلة أساساً حول أساليب العمل ودرجات القوة التي يهتم كل جانب من الجانبين باتباعها، سواء من حيث التعامل العسكري أو القرارات الدبلوماسية أو الأساليب الاجتماعية.
تتصرف الإمارات وكأنها «الشخص المسؤول» بين الطرفين في خياراتها التكتيكية، في حين يُصوَّر محمد بن سلمان على أنه أكثر تهوراً. ورغم قناة الاتصال المفتوحة بين الزعيمين، فإن سياساتهما الاستباقية المستمرة تزيد التحديات المحتملة في العلاقة بينهما.
شكَّل الصراع بين إيران والدول العربية السنيَّة الطريقة التي يدرك ويحلل بها الباحثون والصحفيون ومحللو الاستخبارات التطورات الإقليمية لسنواتٍ عدة. هذا الصراع له آثار جغرافية واستراتيجية وأيديولوجية على المنطقة التي تؤثر على العديد من الساحات. ومع ذلك، إلى جانب هذا الصراع، هناك الآن معركة أخرى تدور منذ فترة لديها أيضاً تأثير كبير على شخصية الشرق الأوسط وما خارجه.
ومن دون أن تبرز إلى درجة مشابهة، فإن المنافسة بين الدول العربية الخليجية -كما رأينا في شمال إفريقيا واليمن والبحر الأحمر والساحة الفلسطينية- قد تركت بصمتها على المنطقة. تؤثر هذه المنافسة المدفوعة بطموحات الحصول على النفوذ والمكانة في العالم العربي بطريقة غير مباشرة على قضايا مثل انتشار الأسلحة النووية وسباقات التسليح الإقليمية، ما ينتج عنه تحديات جديدة لأمن الشرق الأوسط.
في الماضي، اتبعت كل من الإمارات والسعودية أسلوب ضبط النفس في إدارة شؤونهما الخارجية. إذ وقفتا في ظل الآخرين واستفادتا بشكل أساسي من تفوقهما الاقتصادي النسبي. واليوم، أصبحتا هما القوة الدافعة وراء العديد من التغيرات الإقليمية ولاعبين أساسيين في العديد من الساحات. لكن مع هذه القوة يأتي ثقل مسؤوليتها. وفي هذا الصددد، يبدو أن السعودية والإمارات يتبعان أساليب متباينة في ما يتعلق باستخدام سلطتهما.