تسببت الاشتباكات الأخيرة التي شارك فيها انفصاليون في جنوب اليمن في خلق اضطرابات داخل التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، كما تهدد هذه الاشتباكات بتبديد جهود السلام.
ونشرت صحيفتا "لوفيغارو" الفرنسية "وواشنطن بوست" الأمريكية تقريرين حول موضوع عودة دعاة انفصال جنوب اليمن الذين اقتحموا مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، بعد أن سقطت صنعاء بين أيدي الحوثيين الشيعة. وانتشرت مخاوف من أن تصبح مدينة عدن مسرحا لحرب جديدة ورمزا لتشتيت شمل التحالف المعادي للحوثيين.
وقالت صحيفة "لوفيغارو" إن الاشتباكات انطلقت يوم الأربعاء في السابع من آب/ أغسطس، حيث اهتزت عدن على وقع مواجهات دامية بين مختلف الوحدات المعادية للتمرد الحوثي. وبالرغم من أن دوافع الاشتباكات تبقى غير واضحة، إلا أن ممثلين عن الانفصاليين اتهموا حزب "التجمع اليمني للإصلاح" الإسلامي بقتل أحد قادة قوات الحزام الأمني. كما يتهم الانفصاليون حزب التجمع اليمني للإصلاح باختراق حكومة منصور هادي، قبل أن يشنوا معارك تصفية حسابات خلفت نحو 40 قتيلا ونحو 260 جريحا.
ونقلت الصحيفة الفرنسية على لسان كارولين سيغان، وهي مسؤولة برنامج أطباء بلا حدود في اليمن، قولها إن "أغلب الضحايا هم من المدنيين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة قذائف مدافع الهاون والرصاصات الطائشة". وأضافت سيغان أن "مدينة عدن أضحت مسرحا جديدا لحرب جديدة".
وذكرت الصحيفة أن اليمن ليس مستعدا لخوض حرب أخرى، خاصة أنه ما زال يتخبط في حرب يشنها التحالف السعودي على الحوثيين الشيعة منذ خمس سنوات. في المقابل، تنذر الاشتباكات الأخيرة في عدن بعودة الحرب الأهلية لضم الجنوب الذي كان مستقلا عن الشمال إلى حدود التسعينات. ومن جهته، ما زال الجنوبيون يتهمون الشماليين بضم جنوب البلاد بالقوة.
ونوهت لوفيغارو بأن الاشتباكات الحالية في عدن أماطت اللثام عن الخلاف الذي نشب بين قادة التحالف العربي الداعم لحكومة منصور هادي، أي السعودية وحليفتها الإمارات.
من جانبه، يتهم، وزير الشؤون الخارجية اليمني، الإمارات بأنها "عرابة الانقلاب" الذي جد في عدن، خاصة أن أبوظبي تعدّ مؤسسة قوات الحزام الأمني المتورطة بصفة مباشرة باقتحام الثكنات والقصر الرئاسي.
وطالب وزير الشؤون الخارجية اليمني من أبوظبي "وقف دعمها المادي والعسكري للجماعات المتمردة ضد الدولة. وطالب التحالف بعقد "اجتماع طارئ" في المملكة بين الأطراف المتناحرة في عدن. وعبر رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عن ترحيبه بدعوة "الأخوة في السعودية"، إلا أن نائبه، هاني بن بريك، كان له رأي آخر، حيث صرح بأن مجلسه "غير مستعد للتفاوض تحت التهديد".
وأكدت الصحيفة الفرنسية أن هذا الصراع الجديد يأتي ضمن ظروف صعبة يمر بها اليمن، حيث يعاني من حرب منذ خمس سنوات، بالإضافة إلى انتشار مرض الكوليرا الذي حصد آلاف الأرواح. علاوة على ذلك، دفعت الحرب بحوالي 3.3 مليون يمني إلى النزوح من مدنهم.
من جهتها، قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن استهدف حلفاءه بضربات جوية يوم الأحد، بعد مرور يوم على سيطرة الانفصاليين الجنوبيين على مدينة عدن الساحلية الاستراتيجية، الأمر الذي يهدد بزعزعة التحالف السعودي، وفتح جبهة جديدة في الصراع.
وأفادت الصحيفة بأن سيطرة الانفصاليين على مدينة عدن كشفت عن وجود انقسامات داخل الائتلاف السني الذي تقوده كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن منذ شهر آذار/ مارس سنة 2015. وفي الحقيقة، لقد حارب الطرفان معا المتمردين الشيعة المتحالفين مع إيران، الذين يعرفون باسم الحوثيين؛ لاستعادة مكانة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، ومنع طهران من توسيع نفوذها الإقليمي.
في هذا السياق، قالت إليزابيث كيندال، باحثة في الشؤون اليمنية في كلية بيمبروك بجامعة أكسفورد، إن: "هذا الأمر يضعف التحالف؛ لأنه يكشف عن تصدعات لا يمكن إنكارها. وقد بات من الواضح بشكل متزايد أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لا تتشاركان الأهداف النهائية نفسها في اليمن، على الرغم من أنهما تمتلكان الهدف الرئيسي نفسه، المتمثل في دحر النفوذ الإيراني".
وبينت الصحيفة أن الخلافات بدأت في الظهور على مدار الأشهر الثمانية عشر الماضية بين كل من الانفصاليين الجنوبيين، المدعومين من الإمارات العربية المتحدة، والقوات المتحالفة مع الحكومة اليمنية، المدعومة من المملكة العربية السعودية.
وكان الانفصاليون الذين يرغبون في فصل جنوب اليمن عن شماله، يشككون منذ فترة طويلة في الحكومة اليمنية التي يسيرها الشماليون منذ عقود. وعلى الرغم من أن السعوديون يعتبرون أن حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي يمتلك دورا حيويا في عملية إعادة إعمار اليمن، إلا أن الإمارات العربية المتحدة تعارض تقلد هذا الحزب أي دور مهم في المشهد السياسي اليمني؛ بسبب علاقته بالإخوان المسلمين، الحركة التي تعتبرها القيادة الإماراتية تهديدا داخليا وقوة متطرفة في العالم العربي.
وأضافت الصحيفة أن الاشتباكات اجتاحت شوارع مدينة عدن بعد هجوم صاروخي استهدف استعراضا عسكريا أسفر عن مقتل العشرات من المقاتلين الانفصاليين وقائد بارز الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من تنبني الحوثيين لهذا الهجوم، إلا أن الانفصاليين اتهموا حزب التجمع اليمني للإصلاح بلعب دور في هذه الهجمات.
في الواقع، كان العنف المنتشر في اليمن بمثابة صفعة قوية للمملكة العربية السعودية ولطموحها في استعادة مكانة الحكومة اليمنية. وفي تصريحات أدلى بها المسؤولون السعوديون، اعتبروا أن العنف الذي يحدث في اليمن الآن يعمل على تشتيت التركيز على الحملة الموجهة ضد الحوثيين. وردا على الأحداث الأخيرة، قالت وزارة الخارجية السعودية إنها دعت الحكومة اليمنية "وجميع الأطراف المتورطة في النزاع في عدن إلى عقد اجتماع عاجل في المملكة العربية السعودية؛ لمناقشة النزاعات القائمة هناك، وإعطاء الأولوية للحكمة والحوار وتوحيد الصفوف".
وذكرت الصحيفة أن الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي وشقيق حاكم المملكة العربية السعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كتب على تويتر تغريدة، قال فيها إن "العنف الذي تشهده مدينة عدن سيخلق وضعا يمكن أن تستغله المنظمات الإرهابية، على غرار الحوثيين وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، لصالحها، ومن جهتها لن تتساهل المملكة العربية السعودية مع هذا الأمر".
وفي سياق متصل، قالت كيندال إن كلا من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة يستغل الفراغ الأمني في جنوب اليمن. وخلال الأسبوع الأول من شهر آب/ أغسطس، نفذت القاعدة سبع عمليات في عدة أيام استهدفت من خلالها القوات التي تدعمها الإمارات. أما تنظيم الدولة، فقد شن هجومين في مدينة عدن، وهي المرة الأولى التي يستهدف فيها المدينة منذ أكثر من سنة.
على الرغم من الدعوات المنادية بوقف إطلاق النار، اختار التحالف الذي تقوده السعودية تحذير الانفصاليين، وذلك عن طريق شن غارات جوية في وقت متأخر من يوم السبت وصباح الأحد. وعلى الرغم من أن عدم تحديد التحالف الأماكن التي استهدفتها الهجمات، إلا أن مسؤولين انفصاليين وعمال إغاثة أكدوا أن منطقتي دار سعد وخورمكسر، ومناطق قريبة من القصر الرئاسي، جرى استهدافها.
وفي شريط فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي يوم الأحد، قال زعيم انفصالي بارز، يدعى هاني بن بريك، إن المجلس الانتقالي الجنوبي على استعداد للتفاوض مع قوات الائتلاف وحكومة هادي، لكن "ليس تحت تهديدات". كما حذر السعوديين من مواصلة غاراتهم الجوية.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن التوتر السائد بين الشمال والجنوب يثير تساؤلات حول مصير الاتفاق الهش لوقف إطلاق النار، الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في مدينة الحديدة الساحلية الواقعة شمال عدن، والذي يعتبره المسؤولون الأمميون بمثابة خطوة أساسية نحو التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب في اليمن. لكن وفقا لكيندال، تكشف الاشتباكات الأخيرة عن الحاجة إلى مقاربة أوسع وأكثر شمولا، وبالتالي أكثر تعقيدا، لحل النزاع القائم في اليمن.المدر: عربي21