رفضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس 71 مواطناً تونسياً كمرشحين رئاسيين، فيما قبلت وبشكل أوليّ أوراق 26 آخرين، في سباق انتخابات لم يتبقّ على موعده الكثير، وذلك بعد أن قُدّمت إلى 15 سبتمبر/أيلول 2019 بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي في 25 يوليو/تموز الماضي.
وحتى انتهاء إجراءات الطعن على المرشحين المقبولة أوراقهم بشكل مبدئي، يبقى التونسيون في انتظار حتى 31 من أغسطس/آب الحالي لإعلان القائمة النهائية للمرشحين المحتملين للرئاسة بعد البتّ في الطعون.
11 مرشحاً فقط، في القائمة الحالية حصلوا على تزكيات برلمانية، 3 منهم مستقلون هم: حمادي الجبالي، وعبدالكريم الزبيدي، وحاتم بلحسن، بينما لم يستطع 8 ممن وردت أسماؤهم على القائمة ويرشحون أنفسهم عن أحزاب الحصول على تزكيات برلمانية فاضطروا للبحث عن تزكيات شعبية.
ويشترط قانون الانتخابات التونسية أن يقدم المرشح تزكيةً موقعة من 10 آلاف مواطن، أو 40 رئيس بلدية، أو 10 نواب بالبرلمان، وتسديد ضمان مالي بقيمة 10 آلاف دينار (3500 دولار) بالإضافة لإرفاق شهادة الجنسية التونسية.
وقال عضو الهيئة المستقلة للانتخابات التونسية أنيس الجربوعي، في تصريح إعلامي أثناء إعلان القائمة، إنه بإمكان المترشحين الذين تم رفض مطالبهم اللجوء إلى القضاء للطعن في قرار الهيئة قبل الإعلان النهائي عن قائمة المترشحين في 31 أغسطس/آب الحالي.
يتصدر القائمة الأولية منجي الرحوي النائب اليساري، بحصوله على تزكيات برلمانية بترشحه عن حزب الجبهة الشعبية، وينافسه على نفس القائمة كمستقل من اليسار التونسي حمة الهمامي، بعد حصوله على تزكيات شعبية، ويرى مراقبون أنهما لن يحظيا بفرصة حقيقية بسبب تشتت أصوات اليسار بينهما، وبسبب عدم قدرتهما على الحشد الانتخابي في الانتخابات التي مرت بتونس فيما بعد الثورة، وكان الهمامي قد حصل على لقب الوصيف الثاني في الانتخابات الرئاسية السابقة بنسبة على 7.82%من الأصوات.
في حين، يترشح عبدالفتاح مورو كأول مرشح رئاسي لأكبر حزب سياسي في تونس، حزب النهضة. ويعمل مورو البالغ من العمر 71 عاماً حالياً كرئيس مؤقت للبرلمان بعد أن أصبح سلفه محمد الناصر رئيساً بالنيابة، ليحل محل السبسي.
ويعتبر مرشح النهضة المنافس الأقوى للوصول للدور الثاني من الانتخابات بسبب شعبيته العالية في صفوف العامة قبل الإسلاميين، ورغم ما يذكر عن اختلاف كبير بين راشد الغنوشي ومورو في وجهات النظر، فإن دعم الحزب له سيجعل منه مرشحاً قريباً من نيل المنصب. وقال الغنوشي إن «النهضة» تتطلع إلى اكتشاف «لؤلؤتها النادرة» في الانتخابات الرئاسية.
الرئيس السابق والوصيف الأول في الانتخابات الأخيرة المنصف المرزوقي يأتي كمرشح حزب حراك تونس الإرادة، ورغم شهرة المرزوقي كأول رئيس للبلاد بعد الثورة فإن أسهمه تتراجع من جديد في الحصول على أصوات الناخبين بسبب فقده الداعم الرئيس له في الانتخابات الحالية بعد ترشح مورو عن حزب النهضة.
1- قيس سعيد: المرشح الستيني المستقل أستاذ القانون الدستوري يعد رقماً صعباً في المعادلة الانتخابية بعد تصدره نتائج استطلاعات الرأي حول نية الناخبين في الانتخابات المرتقبة.
ويعتبر البعض قيس سعيد الحصان الأسود في السباق الرئاسي الحالي، حتى بعد ترشح عبدالفتاح مورو في الانتخابات عن حزب النهضة الإسلامي.
يقول سعيد لـ «عربي بوست»: «نحن مؤمنون بمشروع تاريخي مبنيّ على الشباب لإعادة بناء الدولة، مؤسسين بذلك حجر الأساس لنظام سياسي جديد قوامه قلب الساعة الرملية للسلطة حتى تكون بالفعل شعبية نابعة من الأسفل».
وربما يرى مراقبون أن تفوق سعيد يرجع لتمسكه بمواقف مثل الالتزام بالنص القرآني في المساواة في الإرث، ويرى أن من أراد أن يساوي بين أولاده في الإرث فعليه أن يقسمه بينهم في حياته.
يقول فوزي الدعاس، أحد الشباب المشاركين في حملة سعيد الانتخابية، إنه أصبح رقماً صعباً في الانتخابات حتى بعد تراجع الإعلام عنه بعد صدور القائمة الأولية للمترشحين، ويعول الدعاس في حديثه لـ «عربي بوست» على أصوات الخزان الانتخابي المتنوع من الشباب المتوافق مع آرائه السياسية، معتبراً أن مرشحه «هو الأنسب لشباب يبحثون عن متنفس جديد لتغيير تونس للأفضل بعد تأكد عدم جدوى الأحزاب في إدارة شؤون البلاد» حسب تعبيره.
2- نبيل القروي: كان القروي رجل الأعمال، وصاحب شركات إعلانية وإعلامية «قناة نسمة» جاء في المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي حول نية الناخبين، ورغم الاتهامات التي يواجهها القروي في المحكمة التونسية حول تهربه من الضرائب في عهد ما قبل الثورة، فإنه استطاع الوصول للناخب التونسي عبر الكثير من الجمعيات الخيرية المنتشرة في أنحاء كثيرة من البلاد.
ويعتبر ناشطون سياسيون تونسيون القروي وجهَ النظام السابق في المنافسة الانتخابية، وهو ما يجعله دائماً في دائرة الاتهامات، لكن يظل القروي داخل المنافسة المرتقبة بسبب نسب استطلاع نية الناخبين التي جعلته في المرتبة الثانية بعد سعيد.
3- يوسف الشاهد: يعد الشاهد وعبدالكريم زبيدي من أبرز الأسماء المرشحة للمنافسة على منصب الرئيس، غير أن ترشيحهما يراه البعض تفتيتاً للأصوات الانتخابية الداعمة لتيارهما، بينما يرى البعض في الشاهد رئيس الحكومة الحالي الوريث الفعلي للسبسي، رغم الخلاف الذي حصل بينهما وأدى بالشاهد لإعلان حزبه الجديد «تحيا تونس» منفصلاً عن «نداء تونس»، التوافقات التي حافظ عليها الشاهد في فترة رئاسته للحكومة تجعل البعض ممن يراقبون المشهد الانتخابي التونسي قريباً من المنافسة قبل ظهور مرشح النهضة، الذي كان يعتبر البعض الشاهد هو نفسه مرشحاً للنهضة.
4- عبدالكريم الزبيدي: أما الزبيدي الطبيب ووزير الدفاع التونسي الحالي فيجمع بعض الأصوات التونسية التي ترى فيه قادراً على تغيير المشهد، لكن وجوده على رأس المؤسسة العسكرية التونسية رغم كونه مدنياً يجعل الكثير من الليبراليين والإسلاميين على تخوّف كبير من شغله منصب رئيس الجمهورية حتى لا تتحول الدولة التونسية من مدنية إلى عسكرية، وهو الأمر الذي جعله يقدم على تقديم استقالته لأسباب اعتبارها أخلاقية قبل تقديمه للترشح على منصب رئيس الجمهورية حسب تصريحات سابقة له.
5- سيدات على القائمة: القائمة الأولية للمترشحين التونسيين تحمل في جعبتها الكثير أيضاً، فوجود سيدتين على القائمة يمثل تواجداً يراه المراقبون تميزاً لكنه لا يعوّل عليه في المنافسة الانتخابية، فعبير موسى محامية محسوبة على التيار الليبرالي ومرشحة حزب التيار الديمقراطي بلغت القائمة بتزكيات شعبية، وهو ما يفسره البعض بعدم قدرتها الوصول عبر برلمانيين اكتسبوا أصوات الشعب.
أما سلمة اللومي السيدة الأخرى في القائمة فهي محسوبة على التجمع (الحزب الحاكم قبل الثورة) وهي مرشحة عن حزب الأمل وسيدة أعمال، ورغم حصولها على تزكيات برلمانية لدخولها السباق الرئاسي فإن الكثير يرى عدم قدرتها على المنافسة بسبب انتمائها القديم ووجود منافسين آخرين أكثر شعبية وبنفس الانتماءات.
تقول خولة الفرشيشي، الباحثة الاجتماعية، لـ «عربي بوست»، إن النساء بعد الثورة التونسية استطعن اقتحام مجال العمل العام، مستذكرة تولي السيّدة سعاد عبدالرحيم منصب «شيخ المدينة» في العاصمة، أي أعرق بلدية في تونس. وتضيف الفرشيشي أن دخول امرأتين لسباق الرئاسة هو نجاح للثورة التونسية رغم أن إحداهما ضدّ الثورة ومكتسبات الديمقراطية، ولكن تواجدها في ماراثون الرئاسيات نجاح لتونس اليوم، حسب تعبيرها.
في النهاية، تعتبر الأسماء الأكثر وضوحاً الآن في المشهد الانتخابي هي: عبدالفتاح مورو مرشح النهضة، يوسف الشاهد مرشح حركة تحيا تونس المنشقة من نداء تونس، ونبيل القروي عن حزب قلب تونس والمحسوب على التجمع، وقيس سعيد المستقل أستاذ القانون الدستوري الذي حظي بالتفوق في استطلاع نية الناخبين قبل إعلان ترشح عبدالفتاح مورو.
وكانت تونس قد شهدت خلال العام الماضي الانتخابات البلدية الأولى بعد الثورة، وحصل فيها المستقلون على 32,9%، بينما حصل حزب «النهضة» على نحو 29,6% من الأصوات. في حين حل حزب «نداء تونس» في المركز الثالث بحصوله على نحو 22,7%. وهو ما يراه مراقبون تعبيراً حقيقياً عن المزاج الانتخابي التونسي في الفترة الراهنة، فهل تكفي 12 يوماً للدعاية الانتخابية؟