في إطار دعوتهن للتحرر من قيود المجتمع الذكوري، أطلقت ناشطات سعوديات هاشتاغ #انا_مغصوبه_علي_النقاب ، سردن من خلاله قصص نساء أجبرن على ارتداء ملابس معينة نزولا عند رغبة العائلة أو المجتمع.
واحتدم النقاش بين مؤيد ورافض للهاشتاغ بعد أن أظهرت مقاطع مصورة عشرات الفتيات وهن يقطعن النقاب فيما نشرت أخريات صورهن دون حجاب.
وتضمن جانب من التغريدات فتيات سعوديات ينادين "باستكمال النضال للحصول على كامل حقوقهن" بإطلاق حملة جديدة تطالب بحظر النقاب في المملكة.
وتجدد النقاش حول النقاب عندما نشرت صاحبة حساب "هانو" تغريدة في 9 أغسطس/آب الجاري دعت فيه الفتيات إلى المشاركة في هاشتاغ #حظر_النقاب .
وأتبعت هانو تغريدتها الأولى بسلسلة تغريدات مرفقة بهاشتاغ #حظر_النقاب_بالسعوديه حتى استقرت أخيرا على هاشتاغ #أنا_مغصوبة_على_النقاب .
وقد لاقت الحملة تفاعلا كبيرا من قبل ناشطات اعتبرن أن الهاشتاغ يجسد "أبسط أشكال الرفض والمقاومة ضد الفكر الذكوري".
وقد احتل الهاشتاغ مركزا متقدما في لائحة الترند في السعودية، يوم الثلاثاء، مسجلا أكثر من 20 ألف تغريدة في غضون ساعات.
وتهدف الحملة، بحسب القائمات عليها، إلى إيصال صوت المعارضات لارتداء العباءة السوداء وغطاء الوجه.
"ألبسوني عباءة الرأس والبرقع وأنا في سن 15" هكذا استهلت إحداهن حديثها عن تجربتها الخاصة مع النقاب.
وأكملت: "قبلها كانوا يصفونني بالطويلة البلهاء، لقد برز ثدييك وصرتي حرمة و لا تطلعين قدام العيال .. عجزت عن تقبل هذا الأمر وقررت التخلص من غطاء الوجه وأتمنى التخلص من العباءة أيضا".
وتحدثت المغردة حنان عن تعرضها للضرب والقمع لرفضها تغطية وجهها. فكتبت: "ضربت في البيت لكي أرتديه وفي المدرسة هددوني بالفصل أسبوعا كاملا. وفي المستشفى اشتكتني إحداهن لوالدتي وطالبتها بتغطيتي وإرغامي على ارتداء العباءة بحجة أنني كبيرة! وكان عمري وقتها 11 سنة فقط! لقد شوهوا حياتنا بهذه البدعة".
أما المعترضون على الهاشتاغ فوصفوه بالمستفز واتهموا القائمات عليه بالتقليل من شأن المرأة المنقبة.
وأعربت ناشطات عن رغبتهن في الحفاظ على "لباسهن المحتشم"، ووصفنه برمز "العفة".
ويرى فريق من المغردين أن الهدف من وراء الهاشتاغ شيطنة النساء السعوديات، مؤكدا على أن ارتداء غطاء الوجه ضرورة وليس اختيارا.
وشبه بعضهم المرأة المنقبة والمحجبة بـ"الحلوى المغلفة".
وكان فريق آخر أكثر شراسة في رفض النقاب، إذ دعا لحظره أسوة ببعض الدول الغربية.
في المقابل، شدد آخرون على احترام اختيارات الأشخاص مطالبين بأن تمتلك المرأة قرارها في ارتداء ما تلبس أيا كان.
واعتبروا أن ارتداء النقاب وغطاء الوجه عرف اجتماعي وليس فرضا دينيا، واستشهدوا بفتوى وبنصوص دينية.
أزياء متغيرة بتغير الحقب السياسية
لطالما كانت أزياء المرأة السعودية ومواصفاتها محل جدال، إذ حاولت التيارات المتصارعة توظيفها سياسيا ودينيا.
وفي خطوة وصفت بالتاريخية، ألغت المحكمة العامة في الرياض عام 2017 شرط ارتداء المحاميات اللاتي يرغبن بدخول المحكمة للنقاب، واكتفت بإلزامهن بارتداء الحجاب.
وفي مقابلة في مارس/ آذار 2018، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إن "القوانين واضحة جدا وهي تنص بموجب الشريعة على أن ترتدي النساء ملابس لائقة ومحترمة مثل الرجال".
وأكد وقتها أن المرأة لم تعد ملزمة بارتداء العباءة السوداء أو غطاء الرأس. مضيفا: "يتعين على النساء، مثل الرجال، ارتداء ملابس محتشمة ومحترمة".
وقد مرت العباءة وغطاء الوجه في السعودية بتحولات عديدة، إذ تأثرا في الثمانينات بأفكار "التيار الصحوي" الذي فرض مفهومه الخاص للباس الشرعي.
وتشير بعض المراجع السعودية إلى أن مفهوم النقاب دخل البلاد بعد حرب الخليج الأولى وغزو الكويت، مطلع التسعينات.
وقد راج وقتها استخدام نقاب "طائر البومة" وهو عبارة عن غطاء خفيف يضم فتحات للعينين تسدله المرأة على وجهها في حال تواجد الرجال.
قبل انتشار العباءة، كانت النساء المنطقة يرتدين لحافا ويغطين به أجسادهن ووجوههن مع كشف جزء نسبي لكي يتمكنّ من الرؤية، وذلك بحسب ما ذكره أحمد الوشمي، في كتابه "اللباس في التراث السعودي للمرأة والرجل".
وأشار الكاتب إلى أن الأمر تطور لاحقا بظهور غطاء للوجه أطلق عليه اسم "البرقع، ثم العباءة السوداء في فترة متأخرة .
وفي ظل التحولات التي تشهدها المملكة، تمردت نساء على العباءة السوداء واستبدلنها بعباءات ملونة ومزركشة بورود وأشكال بديعة.
ولا يعرف على وجه الدقة أصل العباءة السوداء، إذ لم تكن شائعة في الماضي في شبه الجزيرة العربية.
وتستند بعض الروايات إلى قصيدة "قل للمليحة في الخمار الأسود" كدليل على تفضيل، النساء في منطقة شبه الجزيرة العربية، للأوشحة والخمر الملونة.
وتحكي القصيدة قصة بائع عراقي استنجد بالشاعر ربيعة بن عامر التميمي ليجذب نساء المدينة لشراء ما تبقى من بضاعته بعدما باعها كلها إلا الخمر السوداء.
فيما ترجح نظرية أخرى ظهور العباءة السوداء إبان حقبة الإمبراطورية العثمانية، إذ كانت زوجات علية القوم في المنطقة يتعمدن ارتداء اللون الأسود لتمييز أنفسهن عن باقي النساء.