السلاح الصغير الخطير.. حرب الطائرات المسيّرة تشعل سماء الشرق الأوسط بين ألد معسكرين
الاربعاء 28 أغسطس 2019 الساعة 03:29
تعز أونلاين- ترجمات

ترجمة: عربي بوست 

من الصحاري مترامية الأطراف في المملكة العربية السعودية إلى أحياء بيروت المزدحمة، اندلعت حرب الطائرات المسيرة في الشرق الأوسط الكبير، ما أثار المخاطر وسط التوترات المستمرة بين الولايات المتحدة وإيران.

ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران العام الماضي، تسارعت وتيرة الهجمات والتهديدات، خاصة خلال نهاية هذا الأسبوع، باستخدام طائرات بدون طيار أطلقها كل من حلفاء طهران وواشنطن في المنطقة.

لماذا الطائرات المسيّرة؟

تقول وكالة AP News الأمريكية، إن مميزات هذا النوع من الطائرات شجعت على استخدامها السريع وسط حملات الضغط القصوى لإيران والولايات المتحدة.  فهي لا تعرّض حياة أي طيار للخطر وتكون صغيرة بما يكفي لتفادي أنظمة الدفاع الجوي. وبتزايد ضرباتها، أصبح خطر التصعيد غير المرغوب فيه أكبر.

هاجمات طائرات مسيرة أمريكية مقر لحزب الله في الضاحية الجنوبية ببيروت/ AP
هاجمات طائرات مسيرة أمريكية مقر لحزب الله في الضاحية الجنوبية ببيروت/ AP

فقد كاد الجيش الأمريكي أن يشن عدة غارات جوية ضد إيران بعد إسقاط طائرة استطلاع عسكرية أمريكية مسيرة في يونيو/حزيران الماضي. وفي غضون ذلك، كانت المقاتلات الإسرائيلية تشن غارات على أهداف في سوريا كل أسبوع تقريباً، بما في ذلك ليلة السبت الماضي 24 أغسطس/آب 2019. وكانت ذريعة إسرائيل للقصف الأخير: إحباط ما سمّته ضربة إيرانية مخططة بالطائرات المسيرة.

وبعد ذلك حلقت طائرة إسرائيلية فوق بيروت الأحد 25 أغسطس/آب 2019 بعد أن زعمت إسرائيل أنها فقدت طائرتين مسيّرتين قبل ذلك بساعات، ما زاد من خطر نشوب صراع أوسع بينها وبين حزب الله اللبناني. وقال أعضاء في حزب الله إن غارة أخرى بطائرة مسيّرة ضربت، مساء أول من أمس الأحد، قوة شبه عسكرية مدعومة من إيران في العراق، ما أسفر عن مقتل أحد القادة وإصابة آخر. ولم يتضح على الفور مَن نفذ الهجوم.

هجمات منظّمة تشعل سماء الشرق الأوسط

ووسط هذا التصعيد، توجّه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في رحلة مفاجئة، الأحد 25 أغسطس/آب 2019، إلى فرنسا لحضور قمة مجموعة السبع، بدعوة من الرئيس الفرنسي.

بدأت التوترات المتصاعدة منذ انسحاب الولايات المتحدة في مايو/أيار 2018 من الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية. وبموجب الاتفاق، قلَّصت طهران تخصيب اليورانيوم مقابل تخفيف العقوبات. وبعد انسحاب واشنطن، سعت إيران في البداية إلى تلقي دعم دبلوماسي من الشركاء الأوروبيين الذين ما زالوا في الاتفاق، ولكن العقوبات الأمريكية المتزايدة خنقت مبيعاتها من النفط الخام في السوق الدولية.

طائرات حوثية استولت عليها قوات التحالف، أرشيفية/ رويترز
طائرات حوثية استولت عليها قوات التحالف، أرشيفية/ رويترز

وفي شهر مايو/أيار الماضي، أرسلت الولايات المتحدة قاذفات بي-52 ذات القدرة النووية وطائرات مقاتلة وحاملة طائرات وقوات إضافية إلى المنطقة بسبب ما سمّته تهديدات إيرانية. فتعرضت ناقلات النفط بالقرب من مضيق هرمز إلى تفجيرات غامضة.

وظهرت بعد ذلك هجمات الطائرات المسيرة المنظمة، أولاً من المتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران في اليمن. وشُنت غارات على البنية التحتية النفطية في السعودية، إحداها على خط أنابيب النفط الخام بين الشرق والغرب ذي الأهمية القصوى، وأخرى على مرفق حيوي في عمق الربع الخالي في شبه الجزيرة العربية.

وفور وقوع الهجمات، حمَّلت السعودية إيران المسؤولية، باعتبارها خصمها الأزلي في الشرق الأوسط. وبينما تنفي إيران تسليح الحوثيين، إلا أن خبراء غربيين وأمميين قالوا إن الطائرات المسيرة التي يستخدمها الحوثيون هي نسخة طبق الأصل من النماذج التي تستخدمها إيران.

إسرائيل تهاجم سوريا والعراق ولبنان

وفي غضون ذلك شنت إسرائيل غارةً في العراق خلال الشهر الماضي على قاعدة للميليشيات الشيعية المتحالفة مع إيران، وهو ما يعد أول هجوم تنفذه إسرائيل في العراق منذ عام 1981. والتزمت إسرائيل الصمت، فيما لم يوضح المسؤولون الأمريكيون الذين نسبوا الضربة إلى إسرائيل ما إذا كانت الضربة نُفذت بطائرات مسيرة أم لا.

واعترفت إسرائيل بشن غارات على سوريا مساء السبت الماضي 24 أغسطس/آب 2019، فيما وصفته بأنه هجوم وقائي. وذكر الجيش أنه دحض جهود إيران لاطلاق ما يسمى الطائرات المسيرة القاتلة قبل الهجوم على إسرائيل.

وشكك زعيم حزب الله حسن نصر الله في الرواية الإسرائيلية في خطاب ألقاه الأحد الماضي، قائلاً إن الغارات الإسرائيلية استهدفت مركزاً لحزب الله وقتلت اثنين من أفراد الجماعة. وأضاف أنه اعتباراً من الآن فصاعداً ستُسقَط أي طائرة إسرائيلية مسيّرة تدخل أجواء لبنان.

ويعرف الخبراء الطائرات المسيرة التي تقول إسرائيل إنها كانت تستهدف سوريا بأنها طائرة مسيرة انتحارية تشبه تلك التي يستخدمها الحوثيون. إذ تطير الطائرة المسيرة وهي تحمل القنابل إلى جهة معينة وتكون مبرمجة قبل انطلاقها، وتنفجر إما في الهواء فوق الهدف أو تصطدم به.

وبعد الهجوم صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يسعى لإعادة انتخابه في سبتمبر/أيلول المقبل، بعبارة تلمودية عن الدفاع عن النفس أعاد صياغتها: «إذا أراد شخص ما قتلك، فاقتله أولاً».

خريطة إمداد إيرانية بالطائرات المسيّرة

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، خريطة لما قال إنها طرق الإمداد الإيرانية لإيصال الطائرات إلى سوريا. وشملت الخريطة ما وصفته إسرائيل بأنه نقطة إطلاق الطائرة المسيرة المخطط لها في قرية عقربا السورية، بالإضافة إلى موقع آخر في قرية عرنة حيث يُزعم أن محاولة انطلاق سابقة قد أُحبطت يوم الخميس الماضي 22 أغسطس/آب 2019.

وقال جوناثان كونريكوس، وهو أحد المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، إن إسرائيل كانت تراقب الوضع منذ أسابيع وبدأت القصف عندما تحققت من اعتزام الحرس الثوري الإيراني إطلاق طائرته. وأضاف أن الأسهل تحطيم الطائرات المسيرة، التي تتسم بالمرونة ويصعب اكتشافها بمجرد انطلاقها، وهي على الأرض.

وأضاف: «نعلم أن فيلق القدس بذل الكثير من الجهد والوقت في محاولة تنفيذ هذه الخطة»، وفيلق القدس هو وحدة تابعة للحرس الثوري مسؤولة عن تنفيذ العمليات خارج حدود إيران.

ونفت إيران أن الضربات الإسرائيلية في سوريا قد ألحقت أضراراً بقواتها. وقال القائد في الحرس الثوري، الجنرال محسن رضائي، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء Erna الإيرانية شبه الرسمية: «إنها كذبة». وأضاف: «أن المدافعين عن سوريا والعراق سيردون في وقت قريب» دون ذكر مزيد من التفاصيل.

ودلت تصريحات رضائي على الخطر المتصاعد لضربات الطائرات المسيرة.  فبين عشية وضحاها بلبنان تحطمت طائرة إسرائيلية مسيرة في بيروت بينما انفجرت أخرى، حسبما أعلنت السلطات هناك، واصفةً إياه بأنه عمل إسرائيلي عدواني وانتهاك للسيادة اللبنانية.

وفي خطابه، قال نصر الله إن إحدى  الطائرات المسيرة كانت تحلق على ارتفاع منخفض بين المباني. ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الحادث.

وسارع حزب الله بإعلان عدم مسؤوليته عن إطلاق النار على أي من الطائرات المسيرة، ما يؤكد حرص الحزب على تجنب المزيد من التصعيد.

حزب الله مضطر للرد

حزب الله قد يجد نفسه مضطر للرد على الاستفزازات الإسرائيلية الأخيرة/ AP
حزب الله قد يجد نفسه مضطر للرد على الاستفزازات الإسرائيلية الأخيرة/ AP

ورغم ذلك، فإن هذه التطورات تشكل تحدياً مباشراً لحزب الله، الذي لا يزال يسترد قواه بعد صراع استمر لسنوات في سوريا المجاورة وشهد مقتل وإصابة الآلاف من مقاتليه أثناء قتالهم إلى جانب قوات الأسد.

ولا يرغب حزب الله، الذي يعد جزءاً من حكومة وحدة وطنية هشة تناضل بالفعل لحل أزمة اقتصادية ومالية خطيرة، في أن يُنظر إليه على أنه يجر البلاد إلى حرب مدمرة أخرى مع إسرائيل، لكنه ربما يشعر بأنه مضطر للرد على الاستفزازات الإسرائيلية الملحوظة.

خلال الحادث الليلي ارتطمت الطائرة المسيرة الأولى، التي يبدو أنها كانت غير مسلحة، بسطح مبنى في بيروت يوجد به المكتب الإعلامي لحزب الله، ما تسبب في إلحاق أضرار بمكاتب الجماعة.

وحذر حزب الله إسرائيل مراراً وتكراراً لوقف انتهاكاتها شبه اليومية للمجال الجوي اللبناني، لكنه تمسك بضبط النفس حتى الآن رغم سلسلة الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت حزب الله في سوريا. ومع ذلك، فإن حزب الله يفضل تجنب أي رد ربما يثير صراعاً غير مرغوب فيه مع إسرائيل.


متعلقات