كان الهجوم على منشآت شركة أرامكو في شرق السعودية أشبه في تأثيره بحرب صغيرة حيث أدى الهجوم إلى تخفيض إنتاج أرامكو بمعدل يبلغ 5.7 مليون برميل، أي فقدت المملكة أكثر من نصف معدلها الطبيعي من إنتاج النفط.
ففجأة، وجدت شركة أرامكو النفطية السعودية نفسها في قلب المعركة، سواء بين إيران وأمريكا، أو المحتدمة بين الحوثيين والسعودية في اليمن، وباتت أكبر شركة نفطية في العالم هدفاً لضربات متوالية.
فقد تعطَّل إنتاج وتصدير النفط بالسعودية، بداية من يوم السبت، بعد تعرّض معملين كبيرين لأرامكو لهجمات بطائرات مسيرة، أحدهما أكبر معمل لتكرير الخام في العالم. وقال مصدران، أمس الأحد، إن الهجوم أثَّر على إنتاج يشكل نحو 5% من إمدادات النفط العالمية.
وتسبب الهجوم الذي استهدف بقيق وخريص قبل الفجر في اشتعال عدد من الحرائق لكن المملكة قالت فيما بعد إنها تمكنت من السيطرة عليها.
وللبقيق دور محوري في أعمال «أرامكو» اليومية، بوصفها أكبر مرفق لمعالجة الزيت وتركيز النفط الخام في العالم أيضاً.
وأنتجت الشركة 10.3 مليون برميل يوميا من النفط في العام الماضي مستفيدة من أقل تكلفة بالعالم لإنتاج الخام وهي 2.8 دولار للبرميل وفقا لوثائق من الشركة. وأنتجت أيضا 1.1 مليون برميل من سوائل الغاز الطبيعي، و8.9 مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز الطبيعي يوميا.
وحتى خلال الحروب المختلفة في الخليج لم يتأثر الإنتاج السعودي النفطي بهذا الشكل.
وتسبب الهجوم في قفزة هائلة في أسعار النفط؛ إذ سجل خام برنت، الإثنين 16 سبتمبر/أيلول 2019، أكبر مكسب بالنسبة المئوية خلال يوم منذ بداية حرب الخليج في عام 1991، بعدما أدى هجوم على منشأتي النفط في السعودية إلى توقف إنتاج ما يعادل 5% من الإمدادات العالمية
وقفزت العقود الآجلة لخام برنت ما يصل إلى 19.5٪ إلى 71.95 دولار للبرميل خلال تعاملات أمس في أكبر مكسب منذ 14 يناير/كانون الثاني 1991. وبحلول الساعة 0343 بتوقيت غرينتش ارتفع عقد الشهر المقبل إلى 66.20 دولار للبرميل بزيادة 5.98 دولار أو 9.9٪ مقارنة بالإغلاق السابق.
وهوت الأسهم السعودية 2.3٪ يوم الأحد بعد الهجوم الذي استهدف منشأتي نفط بالمملكة في اليوم السابق ليتوقف أكثر من نصف إنتاجها.
ونقلت وكالة رويترز عن مصدرين مطلعين على عمليات أرامكو السعودية، اليوم الإثنين، إن عودة الشركة بالكامل إلى إنتاج النفط بكميات طبيعية «ربما تستغرق أشهراً» وذلك بعد هجمات على منشآت نفط قلصت إنتاج المملكة بأكثر من النصف.
وقال أحد المصدرين: «ما زال (الوضع) سيئاً».
وأمس الأحد، قال مصدر بقطاع النفط مطلع على آخر التطورات لرويترز، إن صادرات السعودية من الخام ستستمر كالمعتاد هذا الأسبوع مع استعانة المملكة بالمخزونات المودعة في منشآت التخزين الكبيرة لديها، لكنه قد يتعين على أرامكو خفض الصادرات في وقت لاحق إذا استمر التوقف في الإنتاج لفترة طويلة.
بسرعة أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم، بينما تبرأت إيران منه.
وقال المتحدث الرسمي باسم الحوثيين العميد يحيى سريع، يوم السبت، 14 سبتمبر/أيلول، إن الهجوم تم باستخدام 10 طائرات مسيَّرة، وأدى إلى إحداث أضرار كبيرة في المنشآت المستهدفة، مشيراً إلى أنها «أكبر عملية من نوعها داخل المملكة بعد رصد دقيق وتعاون مع مَن وصفهم بالشرفاء داخل السعودية».
ولكن التقارير الأمريكية تفيد بأن طبيعة الهجوم ودقته تؤكدان أنه لم ينفَّذ من اليمن، ورجحت أن مصدر الهجوم هو قوات الحشد الشعبي في العراق.
ونفت الحكومة العراقية أن تكون أراضيها منطلقاً للهجوم، مؤكدة رفضها رفضاً قاطعاً أن تكون أراضيها منطلقاً لأي هجمات على الدول المجاورة، وأعلنت أنها فتحت تحقيقاً في الأمر.
ولكن مسؤولاً أمريكياً كبيراً، قال إن الهجوم تمَّ من الأراضي الإيرانية.
إذ اتهم المسئول الأمريكي إيران بإطلاق أكثر من 12 صاروخ كروز و20 طائرة مسيَّرة من أراضيها، ضد منشآت أرامكو النفطية في السعودية، بحسب ما نقلت عنه قناة ABCالأمريكية، الإثنين.
ولكن أغلب التقارير تفيد بأن الهجوم تم من العراق.
منذ تصاعد الأزمة الإيرانية والعراق يحاول أن ينأى بنفسه عنها وتحاول قيادته السياسية وأغلب أحزابه التأكيد على الحفاظ على العلاقة المتوازنة والحساسة بين إيران وأمريكا، كما بدت بغداد حريصة على إعلان رغبتها في العودة للمحيط العربي.
ولكن الأطراف المعنية يبدو أنها لا تساعد العراق على ذلك، فقد شنَّ الإسرائيليون هجمات جوية على أهداف للحشد الشعبي في العراق.
ولقد حاول رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي إحكام السيطرة على المجال الجوي العراقي والتحكم بالحشد الشعبي باعتباره جزءاً من الجيش العراقي.
ولكن الواقع أن إيران تعزز نفوذها على الحشد الشعبي ويبدو أنها قررت إدخاله في معادلة الصراع مع السعودية وأمريكا.
ومن هنا جاء قرارها بإطلاق الهجمات على أرامكو من العراق، ليحمل رسائل عدة الأولى أنه رد على الهجوم الإسرائيلي على الحشد الشعبي على العراق.
ويعتبر الإيرانيون والحشد الشعبي أن هذه الهجمات الإسرائيلية بواسطة الطائرات بدون طيار كانت مدعومة ومموّلة من قِبَل السعوديين.
ونقلت تقارير عن المخابرات العراقية قولها إن الضربات خُططت عندما زار وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، قوات سوريا الديمقراطية في سوريا خلال يونيو/حزيران.
وهذا هو السبب في أن الهجوم الأخير كان الأكثر دماراً، في حين أن الهجمات السابقة كانت أكثر رمزية وألحقت أضراراً طفيفة.
كما قد يكون أحد أسباب اختيار العراق منطلقاً للهجوم هو تذكير السعوديين بأنهم محاطون بما عُرف بالهلال الشيعي عبر إدخال العراق في معادلة التهديد للرياض خاصة بعد جهود المملكة الكبيرة في التقارب مع بغداد سواء عبر التعامل مع قيادة البلاد الرسمية أو عبر بعض القيادات الشيعية الكبرى مثل مقتدى الصدر.
وأوضحت مصادر مقربة من «قوة حزب الله العراقي» رفضت الكشف عن اسمها لـ «عربي بوست»، أنّ ثلاث طائرات مسيرة من طراز «رقيب»، التي يصنعها «حزب الله» العراقي، انطلقت من مدينة البصرة جنوبي العراق، وتحديداً من صحراء السماوة التي تقع إلى الغرب من البصرة، ونفذت هجومي أرامكو.
وأضافت المصادر أن الطائرات المسيرة حملت رؤوساً متفجرة استهدف فيها ستة معامل للنفط في محافظة بقيق، وانطلقت بحسب ما أكده المصدر عند الساعة 5:45 فجراً من الأراضي العراقية باتجاه الأراضي السعودية.
وباتت مناطق الجنوب العراقي معقلاً للميليشيات والجماعات المسلحة الإيرانية، بعد أن تحولت المحافظة إلى مقاطعة تُدار من قِبَل هذه الميليشيات التي تتلقى توجيهاتها من إيران مباشرة.
عودت إيران خصومها على هذا النوع من الهجمات الغامضة التي تعد بمثابة رسائل يسهل التبرؤ منها.
إلا أن هجوم أرامكو كان مختلفاً، فرغم أنه لم يسفر عن وقوع إصابات فإنه تسبب في تعطيل نحو نصف إنتاج المملكة العربية السعودية، وبالتالي ارتفاع أسعار النفط بشكل حاد أي أنه هجوم شعر بوطأته العالم أجمع.
ولقد بلغ تأثير الهجوم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجّه بالسماح بالسحب من مخزون النفط الاستراتيجي لبلاده.
ولكن مثل هذه المغامرة الإيرانية قد تكون قد خرجت عن السيطرة وقد تؤدي إلى إفساد الجهود السياسية لحل الأزمة الإيرانية حساس للغاية.
إذ جرت في وقت محاولات لعقد قمة أمريكية إيرانية بين الرئيسين حسن روحاني ودونالد ترامب.
فور وقوع الهجوم قلل ترامب من فرص الاجتماع مع مسؤولين إيرانيين قائلاً إن التقارير التي أفادت بأنه سيفعل ذلك دون شروط غير دقيقة، حيث قال: «الأنباء الكاذبة تقول إنني على استعداد للاجتماع مع إيران (دون شروط). هذا غير صحيح (كالمعتاد!)».
ويعيد تصريح ترامب للأذهان موقفاً مشابهاً تصرف فيه الرئيس الأمريكي بحدة، فقد ألغى ترامب المحادثات مع طالبان إثر تنفيذها هجوماً أدى إلى مقتل جندي أمريكي.
قد يكون الرئيس الأمريكي يحب الظهور بأنه الرجل الجريء الذي ينهي الأزمات مع أعدائه في جلسة، ولكنه لا يحب أيضاً أن يظهر كأن أعداءه يستغلون عشقه للصفقات للضغط عليه وهو يستعد للتفاوض.
ولكن هل يمكن أن يتخطى الرد الأمريكي الرد الدبلوماسي عبر إلغاء القمة المحتملة مع روحاني، هل ترد أمريكا عسكرياً؟
اللافت في تصريح ترامب عقب الهجوم إعلانه أن بلاده «على أهبة الاستعداد» للردّ على الهجوم الذي استهدف المنشأتين.
وقال ترامب على تويتر إن «إمدادات النفط في السعودية تعرّضت لهجوم.. هناك سبب يدفعنا للاعتقاد بأننا نعرف المُرتكب، ونحن على أهبة الاستعداد للردّ على أساس عملية التحقّق، لكننا ننتظر من المملكة أن تُخبرنا مَن تعتقد أنه سبب هذا الهجوم، وبأي أشكال سنمضي قدماً».
وقال وزير الخارجية الأمريكي جورج بومبيدو عبر «تويتر» إن «طهران وقفت وراء نحو 100 هجوم على السعودية، بينما يتظاهر الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف بالتزام المسار الدبلوماسي».
وأضاف بومبيو: «في خضم كل الدعوات لوقف التصعيد، شنت إيران الآن هجوماً غير مسبوق على إمدادات الطاقة في العالم، ولا دليل على أن الهجمات جاءت من الأراضي اليمنية».
أفاد مسؤولون أمريكيون بأن الإدارة الأمريكية تبحث جدياً في رد عسكري على الهجمات التي استهدفت منشأتي نفط تابعتين لشركة أرامكو بمحافظة بقيق وهجرة خريص في السعودية على الرغم من تريث بعض المسؤولين في البنتاغون، ودعوتهم للحذر.
ورغم حرص الإدارة الأمريكية الظاهر على عدم التورط في قتال مع إيران أو غيرها، فإنها وصول هذه القناعة للإيرانيين قد أضعف من قدرة أمريكا على الردع، فمجرد أن خصمك يعلم أنك لا تريد القتال فإن هذا يعني أنه سوف يصبح أكثر جرأة.
وفي الوقت ذاته الرد العسكري ليس بالأمر السهل، فقد يعني التورط بحرب لا تريدها أمريكا.
ورغم التفوق الأمريكي الساحق، فإن مثل هذه الحرب أو مجرد الاستعداد لها أو محاولة الرد العسكري مع محاولة منع الحرب يحتاج إلى حشد عسكري كبير، والأهم أن الرد الإيراني سوف يكون على السعودية والإمارات التي تحرضان واشنطن على إيران.
لذا فإذا قررت الولايات المتحدة الرد، فإنه على الأرجح سيكون رداً محدداً وغير مستفز حتى لا يغلق باب التفاوض ويفتح باب الحرب التي لا يريدها أحد.