قد يتأثر تواجد الإمارات في منطقة القرن الإفريقي بقرار حكومة «جمهورية أرض الصومال» (صوماليلاند) الانفصالية، في 14 سبتمبر/أيلول الجاري، القاضي بتحويل مطار بربرة العسكري، الذي تديره أبوظبي، إلى مطار مدني، وفق مراقبين.
وتتواجد الإمارات للسيطرة في مناطق مطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، عبر نشاط عسكري واقتصادي في تلك المنطقة الحيوية، بحسب مصادر محلية في المناطق المستهدفة. وبكلفة نحو 442 مليون دولار، وقعّت الإمارات اتفاقية مع «أرض الصومال»، في فبراير/ شباط 2017، لبناء وتطوير ميناء بربرة، لمدة ثلاثين عامًا، ليصبح قاعدة عسكرية إماراتية.
وأثارت الاتفاقية موجة غضب سياسية من جانب الأحزاب المعارضة في «أرض الصومال» وكذلك من طرف الحكومة الفيدرالية في مقديشو، حيث اتهمت الإمارات بانتهاك سيادة الصومال عبر اتفاقية غير قانونية.
وأعلن إقليم «أرض الصومال»، الواقع في القرن الإفريقي، عام 1991، استقلاله عن باقي الصومال، لكنه لم يحظ بأي اعتراف دولي حتى الآن.
ووفق فيصل علي ورابي، رئيس حزب «أوعد» المتحالف مع حزب «كلميه» الحاكم في الإقليم، فإن «ما تناولته وسائل الإعلام بخصوص مطار بربرة هو تحريف لتصريحات رئيس حكومة صوماليلاند (موسى بيهي عبدي)، فهو لم يتطرق إلى إلغاء الاتفاقية المبرمة مع الإمارات، وإنما قال إن المطار سيتحول إلى مطار متعدد الاستخدامات».
وذكرت وسائل إعلام صومالية أن عبدي أعلن تحويل مطار بربرة العسكري، الذي تديره الإمارات، إلى مطار مدني لاستقبال رحلات داخلية وخارجية. وأضاف «ورابي» للأناضول: «حكومة صوماليلاند ملتزمة بالاتفاقية مع الإمارات.. وقرار تحويل المطار لتوفير خدمات مدنية اتُخذ بالاتفاق مع الجانب الإماراتي، ولا يعني إلغاء الاتفاقية الممتدة نحو ثلاثة عقود».
لكن تتناقض تصريحات رئيس حكومة «أرض الصومال» بشأن تحويل مطار بربرة العسكري الإماراتي إلى مطار مدني مع تصريحات استمرار المهام العسكرية الإماراتية في المطار، وهو ما يعكس، وفق مراقبين، ضبابية في موقف الحكومة المحلية، التي تواجه ضغوطاً من الأحزاب المعارضة في الإقليم ومن الحكومة الفيدرالية من أجل إبطال الاتفاقية مع أبوظبي.
وقال محمود محمد حسن، مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث، للأناضول، إن «بعض أحزاب المعارضة في صوماليلاند، وبينها حزب الوطن، تعتبر أن الاتفاقية باطلة ومخالفة للدستور، وأن التصويت الذي تم في برلمان صوماليلاند لصالح الاتفاقية كان اختطافاً للسلطة الشرعية».
وحول الأنباء عن عصيان وحدات من الجيش رفضاً لاتفاقية بناء قاعدة عسكرية إماراتية في «أرض الصومال»، قال حسن: «توجد معارضة، لكن الأمر لم يصل إلى مرحلة تمرد وحدات من الجيش، وهي أخبار لا تعتمد على مصادر رسمية أو معنية».
لكن تقارير تحدثت الشهر الماضي، عن انشقاق عناصر وأفراد في الجيش التابع لحكومة أرض الصومال، وأعلنوا عن تأسيس مجموعات انفصالية في عدد من الأقاليم (في شرق وجنوب أرض الصومال) تحت مسمى الجيش الحر. وذلك رفضاً لتوسع النفوذ الإماراتي في بلادهم، ورفضهم الاتفاق الذي منح أبوظبي حقّ استغلال ميناء بربرة الحيوي، حسبما قال عدد من قيادات التمرد لـ «عربي بوست».
ويعارض المتمرِّدون الذين يهدِّدون بانفصال مناطقهم توجهات الحكومة الحالية لأرض الصومال، والتي يقودها الرئيس موسى بيهي، المدعوم بشكل سياسي واقتصادي من حكومة أبوظبي.
وبخصوص مدى تأثير رفض مقديشو لأنشطة الإمارات في «أرض الصومال»، قال محمد عبده، إعلامي ومحلل سياسي، إن «موقف مقديشو من دور الإمارات في أرض الصومال كان حاسماً وشديد اللهجة، حيث اعتبرت أن الاتفاقية غير قانونية وتخرق سيادتها».
وتابع عبده للأناضول: «الصومال لم يتوقف عند القول ببطلان الاتفاقية، وإنما لجأ إلى منابر إقليمية ودولية، حيث قدم مذكرة احتجاج إلى الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي يرفض فيها الاتفاقية قانونياً، وهو ما يجعل الاتفاقية بين أرض الصومال والإمارات دون جدوى في ظل المعارضة الدولية الشديدة». ولم يتسنَّ الحصول على تعقيب من السلطات الإماراتية حول ذلك.
بحسب حسن شيخ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مقديشو، فإن «خطط استثمار الإمارات في موانئ القرن الإفريقي لا تتوافق مع نهج الاستثمارات الأجنبية، وإنما تهدف إلى تجفيف منابع اقتصاد غيرها خدمة لموانئها، التي تجذب ملايين الحاويات يومياً على حساب الدول المطلة على خليج عدن والبحر الأحمر».
وأضاف حسن شيخ أن «الإمارات تستغل احتياجات الدول الفقيرة عبر إغرائها بأموال باهظة بغية تمرير مساعيها للسيطرة على موانئ ومصادر اقتصاد هذه الدول، لكن معظم تلك الدول أدركت خفايا تلك الاستثمارات، وفسخت اتفاقياتها، مثل جيبوتي».
وألغت جيبوتي، في فبراير/شباط 2018، اتفاقية إدارة ميناء «دورالي» مع شركة موانئ دبي الإماراتية، لتضمنها بنوداً مجحفة تنتقص من سيادتها، وهو ما دفع الشركة للجوء إلى التحكيم الدولي.
ورأى حسن شيخ أن «قرار حكومة أرض الصومال تحويل مطار بربرة العسكري الإماراتي إلى مطار مدني يمثل ضربة مدوية ستحد من مساعي الإمارات للتمدد في القرن الإفريقي». واستطرد: «وإن تأخر مؤشر إلغاء الاتفاقية نهائياً، فإن نطاق المهام العسكرية للإمارات سيتقلص في أرض الصومال والصومال بأكمله».
اعتبر الشافعي أبتدون، باحث في مركز الصومال للدراسات، أن «توتر العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والصومال هو بسبب مواقف مقديشو، التي جاءت مخيبة لتوجهات السياسة الخارجية الإماراتية والسعودية، في أعقاب اندلاع الأزمة الخليجية عام 2017، وهو ما دفع الصومال إلى دخول تحالفات إقليمية، وتوقيع معاهدات واتفاقية مع تركيا وقطر، وهو ما يبعد الصومال أكثر عن المحور السعودي والإماراتي». وقطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، في يونيو/حزيران 2017، علاقاتها مع قطر، ثم فرضت عليها «إجراءات عقابية»، وتؤكد الدوحة أنها «حصار ينتهك القانون الدولي».
وأضاف «أبتدون» للأناضول أن «تحويل مطار بربرة العسكري إلى مطار للرحلات المدنية يأتي في خِضَم تراجع إماراتي في المنطقة، في ظل انتقادات متزايدة داخل البيت الإماراتي، وهو ما يحسم الأمور لصالح جهات إماراتية تسعى إلى تخفيف وطأتها السياسية الثقيلة في مناطق كثيرة، منها ليبيا واليمن والصومال والسودان».
وتابع أن «تغيير المطار العسكري إلى مطار مدني يعكس تفاهماً جدياً بين إقليم أرض الصومال الانفصالي والإمارات لتخفيف التوتر في أرض الصومال أيضاً، على خلفية أخبار عن بروز تمرد عسكري رغم أنها تفتقر للمصداقية من جهات موثوقة».
ورأى أن «مستقبل علاقات الصومال بالإمارات مرهون بمدى استجابة الطرفين لدخول مرحلة جديدة بعد التوتر الدبلوماسي». وختم بأن «أي استعداد للتفاوض بينهما سيفتح الباب أمام علاقات جديدة، ما لم تكن هناك دول أخرى تقف بالمرصاد لتحول دون عودة حرارة الهاتف بين أبوظبي ومقديشو إلى ما كانت عليه».