أشار هجوم 14 سبتمبر/أيلول على المنشآت النفطية الرئيسية في السعودية، الذي تسبب في توقف أكثر من نصف إنتاج المملكة من النفط، إلى حدوث تغيير كبير في منظومة تهديدات الأمن الإقليمي والعالمي.
ومن الواضح أن الأمور لن تكون هي نفسها مرة أخرى.
وقد أدى الهجوم إلى خفض إنتاج النفط السعودي بمقدار 5.7 مليون برميل يوميا، ما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية بنحو 20%.
وعلى الرغم من أن هذا كان تطورا مهما للغاية من منظور الطاقة والاقتصاد، لكننا يجب ألا نقلل من شأن التداعيات السياسية والأمنية للهجوم، وقد تم تقويض الصورة التقليدية للخليح الآن تحت حماية المظلة العسكرية الأمريكية.
روسيا مستفيدة
أظهر الهجوم الأخير أن الإطار الأمني الحالي في الخليج، الذي يقوم على الغطاء العسكري الذي توفره الولايات المتحدة، قد بدأ في الانهيار.
وتبدو المنطقة التي تتمتع بأكبر احتياطي للطاقة وأعلى مستويات للإنتاج في العالم الآن أكثر تقلبا وافتقارا للأمن مما كانت عليه من قبل.
وأصبحت الدول الواقعة تحت المظلة العسكرية الأمريكية أهدافا لخضومها، ويقوض هذا بطبيعة الحال أمن إمدادات النفط الخليجية، ويزيد من حساسية المستهلكين الرئيسيين للنفط في آسيا وأوروبا لأمن الطاقة.
وفي هذه الحالة، ترتفع قيمة إمدادات الطاقة المستقرة والآمنة، الأمر الذي يصب في مصلحة روسيا. ونظرا لشبكتها المتطورة من خطوط أنابيب النفط والغاز التي تمتد إلى أوروبا، وتمتد الآن نحو آسيا، تتمتع روسيا بسمعة طيبة كمورد موثوق.
علاوة على ذلك، فإن قدرة موسكو على حماية بنيتها التحتية الحيوية للطاقة، التي لم تشهد إخفاقات أو هجمات كبيرة خلال العقود القليلة الماضية، تزيد من تعزيز هذه السمعة.
ببساطة، لا تواجه موسكو نفس المخاطر الأمنية التي تواجهها المملكة العربية السعودية أو العراق أو إيران فيما يتعلق بإنتاج وتوريد النفط.
وصرح وزير الطاقة الروسي "ألكسندر نوفاك" بالفعل أنه لا توجد حاجة لزيادة إنتاج النفط داخل "أوبك+" لتعويض الخسارة السعودية.
علاوة على ذلك، فإن روسيا بالكاد في وضع يسمح لها بزيادة إنتاجها من النفط بشكل كبير على المدى القصير للحصول على حصة سوقية إضافية.
فلقد وصلت بالفعل إلى ذروة تاريخية في الأعوام الأخيرة، وسيكون من الصعب دفع الإنتاج إلى أعلى بسرعة أكبر، علاوة على ذلك، أعلنت الرياض أنها ستعيد إنتاجها المفقود للسوق بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول، وستعيد طاقتها الإنتاجية إلى 12 مليون برميل يوميا بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني.
ولا تتطلع روسيا إلى استغلال هذا الموقف، لأن الشراكة التي أقامتها مع السعودية على مدى الأعوام الـ 4 الماضية أكثر أهمية من أي مكاسب قصيرة الأجل.
تزايد التوترات
ورغم ذلك، هناك احتمالات أن ينزلق التقلب المتزايد في المنطقة بسهولة إلى حرب مفتوحة، الأمر الذي سيؤثر سلبا على العديد من اللاعبين، بما في ذلك روسيا، لأنه سيغير بالتأكيد علاقاتها مع عدد من الجهات الفاعلة الإقليمية، وسيؤثر سلبا على سياستها الاقتصادية الإقليمية.
نتيجة لذلك، ليس لدى موسكو مصلحة في استمرار التوترات المتزايدة في الخليج، وفي 18 سبتمبر/أيلول، أجرى الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" مكالمة هاتفية مع ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، وناقش الاثنان الهجوم الأخير، وأيد "بوتين" الخطوة السعودية بإجراء تحقيق شامل وموضوعي في الحادث.
وأكد "بوتين" و"بن سلمان" أيضا عزمهما المتبادل على مواصلة التنسيق الوثيق لأجل استقرار أسعار النفط العالمية، مما يؤكد مرة أخرى على أهمية تعاونهما في مجال الطاقة.
وفي ضوء التصعيد الأخير في الخليج، والهجوم على المنشآت النفطية السعودية، يبدو اقتراح الأمن الجماعي الإقليمي، الذي قدمته روسيا في أواخر يوليو/تموز، أكثر ملاءمة.
وقد تستغل موسكو هذه الفرصة لتسويق الفكرة بشكل أكثر نشاطا، في محاولة لبدء المناقشات حولها على المستوى الإقليمي. ويخلق ذلك فرصة لروسيا لتنشيط حضورها الدبلوماسي بهدف منع المزيد من التصعيد في المنطقة.
ترويج الأسلحة
يعد أمن إنتاج الطاقة واستمرار تدفقها مسألة وجودية لمنتجي النفط في الخليج. وهذا هو السبب في أن الرياض ودول الخليج الأخرى ستبحث حتما عن جميع الطرق الممكنة لحماية أنفسها من مثل هذه الهجمات في المستقبل.
نتيجة لذلك، قد تصبح السعودية أكثر جدية بشأن شراء الأسلحة الروسية، بما في ذلك منظومة الدفاع الصاروخي "إس-400"، وغيرها من أنظمة الدفاع الجوي وأنظمة الحرب الإلكترونية التي قد تحمي بنيتها التحتية الاقتصادية والنفطية الرئيسية.
وبالطبع، يفتح هذا الباب أمام بعض الفرص لموسكو لتعزيز تعاونها العسكري والتقني مع المملكة، وكانت الرياض مهتمة بالفعل بشراء الأسلحة الروسية لفترة من الوقت.
وقد تمت مناقشة بعض العقود العسكرية خلال زيارة الملك "سلمان" لموسكو عام 2017، ومن المرجح أن يكون الأمر نفسه مدرجا على جدول أعمال زيارة "بوتين" القادمة إلى المملكة.
وليس من قبيل الصدفة أنه خلال المؤتمر الصحفي المشترك بعد القمة الروسية التركية الإيرانية، اقترح "بوتين" أنه إذا أرادت السعودية حماية نفسها، فيجب عليها اتخاذ قرار حكيم مثل إيران، التي اشترت منظومة "إس-300"، وتركيا، التي اشترت منظومة "إس-400" للدفاع الجوي، وهي منظومات قادرة على حماية جميع مرفقات البنية التحتية في المملكة وفق مزاعم "بوتين".
وفي اليوم التالي لقمة أنقرة، أعلنت شركة التصدير العسكرية الحكومية الروسية "روسو بورون إكسبورت" أنها ستعرض أحدث النظم الروسية لمكافحة المركبات الجوية بدون طيار، وغيرها من أسلحة الهجوم الجوي، في معرض دبي للطيران في الفترة 17 إلى 21 نوفمبر/تشرين الثاني.
ومع ذلك، فمن المرجح أن تواجه الرياض معارضة وضغطا جادا من واشنطن إذا قررت شراء أسلحة روسية، ما يحد من حرية المناورة.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن "عرض" بوتين للسعودية قد يضع روسيا في موقف صعب أيضا. فقد عرض "بوتين" بيع المملكة النسخة الأكثر تطورا من نظام الدفاع الجوي الروسي "إس-400"، في حين أن إيران، المنافس الرئيسي للمملكة وحليف روسيا، لديها فقط النسخة القديمة "إس-300".
لذا، إذا اشترت السعودية في النهاية نظام "إس-400"، فمن المحتمل أن يكون رد فعل إيران سلبيا وقد يدق ذلك إسفينا بين موسكو وطهران.
وبالنظر إلى الحساسيات القائمة، من غير المحتمل أن تفعل موسكو أي شيء من شأنه أن يخل بتوازنها الدقيق بين طهران والرياض، خاصة قبل زيارة "بوتين" المخطط لها منذ فترة طويلة للمملكة في وقت لاحق من هذا العام.
المصدر | معهد الشرق الأوسط