ترجمة: عربي بوست
تُوسع موسكو منشآتها العسكرية في سوريا كأنها ستبقى للأبد، في وقت لم تفعل فيه شيئاً يُذكر لإعمار البلاد، ولا تحسين وضعية الشعب، فما هي أهداف روسيا من وجودها العسكري في سوريا.
وهل تعمَّد الغرب وبعض دول الخليج توريط موسكو في سوريا على حساب المعارضة، ولأي مدى أثبت التدخل الروسي كفاءة موسكو العسكرية؟
قبل الذكرى الرابعة للتدخل العسكري الروسي في سوريا، أعلن الجيش الروسي أنَّ موسكو تتطلع إلى توسيع قاعدة «حميميم» الجوية الواقعة في محافظة اللاذقية السورية. تتضمن تلك المبادرة، في المرحلة الأولية، إعادة بناء المدرج الثاني للسماح للمنشأة بخدمة المزيد من الطائرات، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
وأشار قسطنطين دولغوف، نائب قائد الفوج المختلط للطائرات الحربية التابع للقوات الجوية الفضائية الروسية المنتشرة في قاعدة «حميميم»، إلى أنَّ المنشأة قادرة بالفعل على استضافة حاملات صواريخ.
وكانت قاذفات القنابل الاستراتيجية (طراز Tu-95MS وTu-160) التابعة للقوات الجوية الفضائية الروسية قد شنَّت في وقتٍ سابق هجمات على مواقع جماعات معارضة وإرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، من قاعدتي موزدوك وأولينيا في روسيا، ومن ثمَّ اضطرت الطائرات في بعض الأحيان إلى التزوّد بالوقود في الجو.
علاوة على ذلك، شَّيد الروس حظائر طائرات جديدة قادرة على حماية مقاتلات Su-35 وقاذفات قنابل Su-34 من هجمات بطائرات بدون طيار من حينٍ لآخر.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، الفريق إيغور كوناشينكوف، للصحفيين، إنَّ أنظمة الدفاع الجوي والأجهزة الإلكترونية المضادة قتلت خلال العامين الماضيين حوالي 120 مسلحاً حاولوا مهاجمة القاعدة الجوية.
وأضاف دولغوف أنَّ حظائر الطائرات مُجهّزة بنظام مركزي للوقود ومواد التزييت والتشحيم. وأدى ذلك إلى تقليل الجداول الزمنية للتحضير لرحلات جوية متعاقبة بشكل ملحوظ.
وفقاً للمسؤول، تستضيف القاعدة الجوية حوالي 30 طائرة، من بينها طائرات «Su-35S» و «Su-34» و «Su-24» ومروحيات عسكرية «Mi-35 وMi-8″، تقريباً بنفس أعداد عام 2015، في بداية الحملة العسكرية الروسية في سوريا.
وأفاد مسؤولون عسكريون بتحسن قدرات منشأة أخرى في سوريا.
ففي 26 سبتمبر/أيلول، أعلن نائب قائد القيادة العملياتية الروسية في المناطق البحرية البعيدة بوزارة الدفاع الروسية، يفغيني غوشين، إقامة حوض روسي لبناء السفن في ميناء طرطوس بمساحة 2100 متر مربع، ويُفترض افتتاحه في 15 أكتوبر/تشرين الأول.
في نفس اليوم، قال قائد القيادة العملياتية، سيرغي ترونيف، إنَّ الميناء يستضيف غواصتين مُجهّزتين بصواريخ «كاليبر».
تجدر الإشارة إلى أنَّ التقارير الرسمية تؤكّد حالة المرافق في طرطوس. فبعد تعميق الممر المائي للميناء وتوسيعه بموجب موافقة قانونية لازمة، أصبح هذا المرفق، الذي كان في السابق مركزاً صغيراً للصيانة التقنية، موطئ قدم كامل للبحرية الروسية على البحر المتوسط، فضلاً عن أنَّه أصبح قادراً على استضافة ما يصل إلى 11 سفينة حربية، من بينها سفن مزوّدة بمولدات تعمل بالطاقة النووية.
ومن المثير للاهتمام أنَّ الجيش الروسي ينشر هذه المعلومات باعتبارها أمراً واقعاً أكثر من كونها مجرّد أخبار عاجلة.
وعملت وزارة الدفاع الروسية باستمرار على توسيع قدرات قاعدة «حميميم» طوال فترة الأربع سنوات من وجود القوات الجوية الروسية في اللاذقية، على الرغم من أنَّ بعض السياسيين في موسكو ينظرون إلى استمرار الوجود الروسي الدائم في سوريا باعتباره أمراً غير ممكن.
ففي يوليو/تموز 2016، قورنت صور للقاعدة الجوية ملتقطة بالأقمار الصناعية، في أواخر عام 2015، بصور أحدث التُقطت في يونيو/حزيران 2016، وكشفت مقارنة الصور عن زيادة جديدة في أماكن وقوف الطائرات وتوسيع مهابط المروحيات العسكرية وبناء مدرج مطوّل.
وعلى الرغم من أنَّ سجل 4 سنوات من الوجود الروسي في سوريا يعتبر لافتاً للنظر، لا ينبغي التغاضي عن بعض الحقائق.
أولاً، يحجم القادة الروس عن الاعتراف بأخطائهم ويرفضون النقد بكل أشكاله، حتى لو كان نقداً بنّاءً.
على سبيل المثال، كانت وزارة الدفاع الروسية تُضخم أعداد قوات تنظيم داعش، التي تستهدف مدينة تدمر، في محاولة لتبرير الإخفاق الواضح، الذي أدَّى إلى استيلاء داعش على المدينة في ديسمبر/كانون الأول 2016. إذ أُعلن في 11 ديسمبر/كانون الأول أنَّ عدد الإرهابيين، الذين يهاجمون تدمر يصل إلى 4 آلاف مقاتل.
وفي اليوم التالي، قال مسؤولون عسكريون إنّ العدد، في الواقع، كان 5 آلاف مقاتل. وفي الوقت نفسه، ذكر مراسلون روس وسوريون موالون للحكومة أعداداً أقل كثيراً، نحو 1500 مقاتل.
وقال مصدر من داخل قطاع الصناعة العسكرية الروسية لموقع «Al-Monitor» إنَّ صواريخ «كاليبر» كانت تخطئ أهدافها في كثير من الأحيان، على الرغم من دقتها المُحسّنة خلال عمليات الإطلاق من منصات بحرية وجوية.
ووفقاً للمصدر، تعاني روسيا من قدرة محدودة على توفير الإمدادات لساحات المعارك البعيدة، وقد حاولت تعويض ذلك بكل الوسائل المقبولة، من بينها سفن KIL-158 مزوّدة بمعدات رفع ومراسٍ وسفن شحن للحمولات الجافة وغيرها من السفن التي استُخدمت سابقاً من جانب مالكي السفن التركية والأوكرانية (مثل السفن التركية سميرنا، ودادالي، وأليكان وديفال) واشترت شركة تُدعى «marine express» برعاية البحرية الروسية.
ويؤكد الروس، عند مناقشة نتائج أربع سنوات من عملياتهم في سوريا، أنَّ تلك الحملة العسكرية سمحت باكتساب خبرة مذهلة فيما يتعلّق بالقتال واللوجستيات في ساحة معركة «بعيدة».
كما أفسحت المجال لاستخدام مجموعة واسعة من الأسلحة والمعدات بالتناوب على أساس منتظم، من بينها مقاتلات الجيل الخامس من طراز Su-57.
لم يتحوّل الصراع في سوريا ليصبح على شاكلة «الصراع في أفغانستان» بسبب مشاركة الشركات العسكرية الخاصة الروسية، حسب تقرير موقع Al-Monitor .
كما أن طبيعة سوريا مختلفة عن أفغانستان الجبلية الوعرة.
ومن ثمَّ، نتيجة سرعة حسم المعركة وعدم تورط الروس في قتال على الأرض، لم تتضرر سمعة الحكومة.
بل على العكس من ذلك، وفي ظل العديد من العقوبات، استطاعت موسكو فرض «حوار متكافئ»، بالإضافة إلى إظهار دورها المهم في السياسة العالمية وإثبات التزامها بدعم السيادة والمؤسسات الحكومية السورية كما هي، على الرغم من عيوبها.
في الواقع، نجحت موسكو بدرجة أكبر في الاستفادة من الإرهاق الناجم عن الصراع بين الجهات الفاعلة الإقليمية والخارجية، التي فشلت في إنشاء تحالف قوي ضد الأسد في مواجهة خلافاتهم الخاصة بهم.
دخلت موسكو الأزمة وسط منافسة قوى عظمى، وعانت من نقص الموارد. ومع ذلك، نشرت روسيا قواتها في سوريا، وشنَّت حملة عسكرية، واستطاعت تجزئة المعارضة عبر مناطق خفض التصعيد، ونفَّذت اتفاقيات «مصالحة» بين فصائل المعارضة ودمشق، كما شوهد في المنطقة الجنوبية الغربية.
منح هذا الانتصار مادة جيدة للاستهلاك المحلي الروسي، حيث لا يزال العديد منهم يشتاق إلى مجد الماضي السوفيتي.
ثمة نظرية في موسكو مفادها أنَّ إجراءات الولايات المتحدة الأمريكية وممالك الخليج سعت عمداً إلى تحويل المسؤولية عن مستقبل سوريا إلى موسكو، من بينها مقاومة النفوذ الإيراني في سوريا ما بعد الحرب، مهما كان محدوداً.
حتى لو كان هذا صحيحاً، استفادت روسيا من هذا الوضع.
اختطفت موسكو جدول الأعمال في سوريا، وتستطيع مناقشته الآن على نحوٍ بنَّاء مع مختلف الجهات الفاعلة في المنطقة، حيث تضطلع بدور الوسيط في كلٍّ من النزاع السوري وأزمات إقليمية أخرى.
«الاستقرار» الذي تروج له روسيا لم يُحسّن الظروف المعيشية للمدنيين السوريين في المنطقة الجنوبية الغربية أو في أي مكان آخر.
لكنَّه خلق ظروفاً سمحت لموسكو بربط قضية إعادة اللاجئين إلى وطنهم ببرامج إعادة الإعمار في المناطق، التي يُفترض أن يعود اللاجئون إليها.
في الوقت نفسه، فإنَّ الكرملين غير مستعد للمشاركة في العملية في إدلب، بالإضافة إلى عدم استعداده لتحمّل نفقات توفير الأمن إذا سحبت الولايات المتحدة قواتها من شرق سوريا.
علاوة على ذلك، تحجم دوائر الأعمال الروسية عن الاستثمار في مشاريع سورية، باستثناء رجال الأعمال الموالين للحكومة المشاركين وفي مشاريع مدعومة من الدولة.
كما يحول إنشاء اللجنة الدستورية، الذي تزامن بشكل أساسي مع ذكرى التدخل الروسي في سوريا، دون إصلاح النظام السوري بسبب فشل روسيا في الوفاء بالتزاماتها، في وقت أصبحت المعارضة السياسية والجماعات المنشقة المسلحة ضعيفة للغاية.
نتيجة لذلك، تُواصل روسيا موازنة العلاقات بين تركيا وإيران والولايات المتحدة وإسرائيل، مع الحفاظ على علاقات طيبة مع دمشق.
حتى إذا نجحت روسيا في تحقيق هذه الموازنة الدقيقة، سيتعيَّن عليها الاختيار في نهاية المطاف.
إما أن تسعى إلى تسوية ربما تُرضي اللاعبين الخارجيين، أو تواصل الاستثمار في إنقاذ نظام الأسد.
خلاصة القول كما يرى التقرير: لا يمكن الاعتماد على إمكانية جعل سوريا تتمتّع بالسلامة والأمن من خلال استثمارات الشركات الروسية وعودة المواطنين السوريين، الذين يعيشون في الخارج.