منذ تلويح رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد بإمكانية الدخول في حرب مع مصر، أصبح السؤال الأكثر إلحاحاً هو: هل يمكن أن تحارب مصر إثيوبيا، كما أصبحت المقارنة بين الجيشين المصري والإثيوبي محل اهتمام كثير من وسائل الإعلام، وفي هذا التقرير سنحاول الوصول إلى تحليل منطقي للفارق بين الجيشين، وشكل أي نزاع محتمل بينهما.
كان رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، قد قال إنه إذا اضطرت بلاده إلى خوض حرب بشأن سد النهضة فيمكن لها أن تحشد الملايين من أجل المواجهة.
وجاءت تصريحات آبي أحمد خلال جلسة استجواب في البرلمان الإثيوبي، بشأن أزمة سد النهضة، نقلتها وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية، التي أشارت إلى قوله إن «البعض يتحدث عن استخدام القوة من جانب مصر، لكن يجب التأكيد على أنه لا توجد قوة يمكن أن تمنع إثيوبيا من بناء السد».
المقارنة الرقمية البسيطة بين الجيشين المصري والإثيوبي تظهر تفوقاً واضحاً للجيش المصري.
يحتل الجيش الإثيوبي المرتبة رقم 47 بين أقوى 137 جيشاً في العالم، بينما يصنف الجيش المصري ضمن أقوى 12 جيشاً في العالم.
وأورد موقع «غلوبال فير بور» الأمريكي، مقارنةً بين الجيشين المصري والإثيوبي، تشمل العديد من معايير القوة، بينها القوة البشرية والمساحة والعتاد العسكري.
إذ يصل تعداد سكان مصر إلى 99.4 مليون نسمة، بينما يتجاوز تعداد سكان إثيوبيا 108 ملايين نسمة، بحسب ما ذكره الموقع الأمريكي.
وتمتلك الدولتان قوة بشرية متاحة للعمل، تزيد عن 40 مليون نسمة، إلا أن عدد من يصلحون للخدمة العسكرية في مصر يتجاوز 36 مليون نسمة، مقابل 25.5 مليون نسمة في إثيوبيا.
ويصل إلى سن التجنيد سنوياً 1.5 مليون شخص، مقابل 1.9 مليون شخص في إثيوبيا.
ولا يتجاوز عدد قوات الجيش الإثيوبي 140 ألف شخص، وليس لديهم قوات احتياطية، بينما يصل تعداد القوات العاملة في الجيش المصري إلى 440 ألف فرد، إضافة إلى 480 ألف جندي في قوة الاحتياط.
بينما تتكون القوة الجوية الإثيوبية من 26 مقاتلة اعتراضية، و16 طائرة هجومية، و9 طائرات نقل عسكري، و33 مروحية، و8 مروحيات هجومية.
وتصل ميزانية الدفاع المصرية، وفقاً للموقع إلى 4.4 مليار دولار، مقابل 340 مليوناً للجيش الإثيوبي.
وبينما تمتلك مصر 1092 طائرة حربية، لا تمتلك إثيوبيا سوى 82 طائرة حربية.
وتتكون القوة الجوية المصرية من 211 مقاتلة اعتراضية، و341 طائرة هجومية، و59 طائرة نقل عسكري، و388 طائرة تدريب، و293 مروحية، و46 مروحية هجومية.
ويوجد في إثيوبيا 57 مطاراً في الخدمة، مقابل 83 مطاراً في مصر.
وتمتلك مصر 2160 دبابة، وأكثر من 5700 مدرعة، وفقاً لما ذكره الموقع، بينما تمتلك إثيوبيا 800 دبابة، و800 مدرعة.
ويمتلك الجيش المصري 1000 مدفع ذاتي الحركة، و2189 مدفعاً ميدانياً، و1100 راجمة صواريخ، مقابل 85 مدفعاً ذاتي الحركة، و700 مدفع ميداني، و183 راجمة صواريخ في الجيش الإثيوبي.
وبينما تصل قوة الأسطول الحربي المصري إلى 319 سفينة، بينها حاملتا طائرات، و4 غواصات، و9 فرقاطات، و31 كاسحة ألغام، فإن إثيوبيا لا تمتلك أي قوة بحرية.
الواقع أن مثل هذه المقارنات الرقمية البسيطة التي تنشرها وسائل الإعلام ويتلقفها نشطاء التواصل الاجتماعي في الأغلب لا تقدم صورة دقيقة، بل أحياناً مضللة.
فالأرقام تكذب أحياناً، فقد تتساوى دولتان في عدد الدبابات أو الطائرات، ولكن قد تكون إحداهما تمتلك دبابات تعود إلى الخمسينات وأخرى حديثة.
كما أن التحديثات التي تدخل على الأسلحة، وأنواع الذخائر والصواريخ المستخدمة، بالأخص في الطائرات، قد تكون أهم من عدد الطائرات أو جيلها.
فلا يمكن المساواة بين إف 16 بلوك 15 وبلوك 50.
وفي حالة مصر وإثيوبيا تبدو المقارنة غير دقيقة تماماً.
فبعيداً عن عدد الدبابات فإن نوعيتها أهم، ومصر تتفوق بشكل لافت، ليس فقط في عدد الدبابات، ولكن في نوعيتها.
إذ تعتبر مصر ثاني أكبر دولة في العالم امتلاكاً للدبابة إم 1 أبرامز ( M 1 – Abrams) بعد الولايات المتحدة، وهي بطبيعة الحال واحدة من أفضل دبابات القتال الرئيسية في العالم، إذ تمتلك مصر أكثر من 1100 دبابة من هذا الطراز الذي تقوم بتجميعه محلياً، بينما معظم الدبابات التي تمتلكها إثيوبيا هي دبابات سوفيتية طرازات تي 55 وتي 62 التي تعود للستينيات، واستخدمتها مصر في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
كما تمتلك إثيوبيا عدداً محدوداً من الدبابات السوفيتية تي 72، التي تعود للثمانينات، وقد اختبرت هذه الدبابات أمام الإبرامز في حرب تحرير الكويت، حيث مثلت نخبة الدبابات العراقية آنذاك، ولكنها سحقت أمام الدبابات الأمريكية من طراز أبرامز.
وينطبق الأمر على الطائرات، إذ تعتبر مصر رابع دولة في العالم امتلاكاً للطائرات إف 16 الأمريكية بعد الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا، إضافة إلى امتلاكها لمقاتلات رافال، التي أضافت للقوات الجوية المصرية قدرات جديدة في مجال القصف الجوي بعيد المدى.
كما تعاقدت مصر على شراء طائرات روسية من طراز ميغ 35.
في المقابل تمتلك إثيوبيا عدداً محدوداً من الطائرات، أغلبها طائرات روسية قديمة منذ العهد السوفيتي، من طرازات ميغ 21 وميغ 25 وسوخوي 25.
وتمتلك أديس أبابا عدداً محدوداً من طائرات سوخوي 27 (SU 27) الأحدث قليلاً، وهي طائرات مشهورة بقدرتها على المناورة، خاصة مناورة الكوبرا الشهيرة التي أدهشت الغرب، وكانت هذه الطائرة أساساً لتطوير جديد مشهور من الطائرات الروسية المعروفة باسم سوخوي 30 و34 و35.
ولكن حتى هذه الطائرة اضطرت إثيوبيا للجوء لطيارين روسلقيادتها خلال الحرب مع إريتريا.
وينطبق ذلك على كل المجالات، فهناك تفوق نوعي مصري، وليس عددياً فقط على إثيوبيا في كل المجالات العسكرية تقريباً.
ولكن هل يعني ذلك أن الجيش المصري قادر على هزيمة نظيره الإثيوبي بنفس الفارق في القوة بينهما.
الحقيقة أن المقارنة بين الجيشين المصري والإثيوبي هي عملية مضللة تماماً.
تفترض المقارنة أن الحرب هي مثل مباراة كرة القدم، يلتقي فيها فريقان في ظروف قياسية متشابهة، يشجعهما جمهور متحمس، وكل فريق لديه نفس المميزات التي لدى الفريق الآخر.
ولكن الحرب هي عكس ذلك تماماً، فالظروف الجغرافية والمناخية والسياسية والدينية والنفسية والبشرية قد تكون أهم من السلاح.
هذه الظروف هي التي دفعت أكبر دولة في العالم، وهي أمريكا، للتفاوض مع طالبان، التي يستخدم مقاتلوها أسلحة بسيطة، لتأمين الخروج الأمريكي من جبال أفغانستان الوعرة.
وإثيوبيا لا تقل وعورة عن أفغانستان، ولكنها أكبر مساحة وسكاناً
وتتحدث كثير من الدوائر الشعبية في مصر عن الحرب مع إثيوبيا كخيار وحيد لتدمير سد النهضة، والقضاء على خطر تعرض مصر للعطش.
ويشجعهم على هذا التفكير (الذي لا تتبناه الدولة رسمياً)، المقارنات التي تظهر على الإنترنت بين قدرات الجيش المصري الذي يصنف أحياناً كأقوى جيش في إفريقيا والحادي عشر أو الثاني عشر على مستوى العالم، والذي تظهر فارقاً هائلاً عن قدرات نظيره الإثيوبي.
ويتحدث الكثيرون عن أن الرئيس المصري أنور السادات هدد بقصف إثيوبيا إن بنت سداً على النيل، وفي روايات أخرى متداولة أنه قصف بالفعل إثيوبيا، وهي روايات ليس لها سند.
ولكن الحروب ليست مجرد أرقام وعدد أسلحة، ولكنها جغرافيا وظروف مناخية وطبيعة بشرية.
فإثيوبيا هي واحدة من أكثر البلدان الجبلية على وجه الأرض، وكانت الهضبة الإثيوبية قلعة عصية دوماً على الغزاة، وقد حاربت مصر إثيوبيا مرتين في عهد الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر، وهُزمت في كلتيهما، علماً أن مصر كانت في ذلك الوقت أكثر تقدماً بكثير من إثيوبيا، التي كانت تسمى الحبشة آنذاك، كما أن جيشها كان يقوده ضباط أوروبيون.
وبينما تمكن الجيش المصري في القرن التاسع عشر من السيطرة على السودان، ذي الطبيعة السهلية، إلا أن الهضبة الإثيوبية وقفت أمامه كحائط صد.
ولقد حاولت إيطاليا غزو إثيوبيا وفشلت، في القرن التاسع عشر، رغم أنها كانت تحتل الصومال وإريتريا المجاورتين، ثم نجحت بتكلفة كبيرة في تحقيق ذلك في ثلاثينات القرن العشرين قبل الحرب العالمية الثانية. وكان الفارق هائلاً بين جيش إثيوبيا البدائي وبين الجيش الإيطالي الحديث.
والجيش السعودي فشل في تحقيق أي تقدم في اليمن، الذي يشبه طبيعته الجغرافية إثيوبيا، رغم أن لديه واحداً من أفضل القوات الجوية في المنطقة، ولديه حلفاء على الأرض، كما أن اليمن أقل سكاناً ومساحة من إثيوبيا.
والجيش الأمريكي أقوى جيش في العالم، فشل في هزيمة طالبان في أفغانستان التي تشبه إثيوبيا في جبلِيَّتها، وإن كانت أقل في المساحة.
إضافة إلى وعورة الجغرافيا الإثيوبية، فإن المشكلة الأكبر أمام الجيش المصري في هذه الحرب التي تفترضها مواقع التواصل هي أنه لا حدود مباشرة تنطلق منها عملياته، كما أن إثيوبيا ليست لديها سواحل، بحيث يمكن قصفها من البحر.
وبالتالي لا قيمة لحاملتي المروحيات اللتين اشترتهما مصر من فرنسا؛ لأن إثيوبيا لا تمتلك سواحل أصلاً.
وبالطبع لا يمتلك الجيش المصري إمكانيات للقيام بعملية إنزال جوي لمحاربة إثيوبيا، وفي الغالب لا يمتلك أي جيش في العالم قدرة على غزو بلد بحجم ووعورة وعدد سكان إثيوبيا عبر إنزال جوي.
وهذا يعني أن أي حرب تستلزم تعاوناً سودانياً، لتكون السودان محطة للتحرك ضد إثيوبيا، في وقت تبدو فيه الخرطوم أكثر ميلاً للتنسيق مع أديس أبابا في مسألة النيل، وبالتالي ليس لديها سبب لتخوض حرباً مع جارتها التي تفوقها سكاناً بمرتين.
أما التعاون مع إريتريا والصومال فقد فات أوانه، إذ تركت مصر الدولتين فريسة لهجوم إثيوبي خلال العقود الماضية، دون أن تدعمهما حتى سياسياً.
بل إن حسني مبارك أبدى تفهمه لغزو إثيوبيا للصومال، وإنهائها لحكم اتحاد المحاكم الإسلامية الذي كان قد فرض استقراراً في البلاد، وأدى هذا الغزو إلى عودة التطرف للصومال.
صحيح أن مصر احتفظت بصلات سرية بشيخ شريف أحمد، رئيس اتحاد المحاكم الإسلامية آنذاك، الذي جاء مصر تحت حماية الأجهزة الأمنية المصرية، حسبما قال مصدر مطلع لـ «عربي بوست».
ولكن السياسة المصرية كانت دوماً منذ عهد الرئيس عبدالناصر إرضاء إثيوبيا، حتى لو كان على حساب الدول والأقليات الإسلامية المجاورة، بسبب مياه النيل، وها هي مياه النيل مهددة، ولم تنفع سياسات إرضاء إثيوبيا، بل إنها أضعفت النفوذ المصري في هذه المنطقة.
لذا فإنه من الصعب أن تطلب مصر من هذه الدول الآن التعاون معها ضد أديس أبابا، خاصة أن أريتريا أبرمت اتفاق سلام مع إثيوبيا، بينما الصومال تتحالف مع تركيا وقطر، بعد أن غضبت من سياسة الإمارات، حليفة القاهرة، التي تشجع الانفصاليين في شمالي البلاد.
أما التفكير في الاكتفاء بقصف السد دون التورط في معركة على الأرض، فإنه يظل خياراً مستبعداً أيضاً.
فمن الناحية العسكرية قصف السدود عملية معقدة، تحتاج لذخائر متطورة تمتلكها الدول المتقدمة، ويزيد من تعقيد الغارة المحتملة بُعد المسافة.
كما أن إثيوبيا أعلنت عن شراء صواريخ مضادة للطائرات، والصواريخ الباليستية من إسرائيل لحماية السد.
وبالإضافة إلى الردود الدولية والإفريقية المتوقعة، فإن تدمير السد قد يثير عداء الشعب الإثيوبي، وقد يطلق ردود فعل غير متوقعة، وسيظل النيل يأتي من إثيوبيا حتى لو تم تدمير السد.
وقد تثأر أديس أبابا بتلويث أو منع مياه النيل التي تأتي لمصر.
كما أن شأن هذه العملية إذا كانت ممكنة وقف أي احتمال لتفاوض مستقبلي بين البلدين، والأهم أنها قد تثير ردود فعل دولية في وقت أصبح لإثيوبيا وضع سياسي مميز، خاصة بعد فوز رئيس وزرائها آبي أحمد بجائزة نوبل.
تبدو تكلفة الحرب أكبر كثيراً من تكلفة نقص المياه الذي يتهدد مصر، فلا شيء أغلى من الحرب.