لا تنتهي أزمات الوقود في صنعاء ومناطق الحوثيين، تلجأ الميليشيا الانقلابية إلى إختلاقها لأسباب وأهداف مختلفة، هدفت في البداية إلى تمويل أنشطتها وحروبها من خلال السوق السوداء وحاليا تهدف إلى تحصيل رسوم واردات الوقود وإعاقة إجراءات الحكومة لتنظيم سوق المشتقات النفطية وضرب القرارين 75 و49 الهادفين الى إنهاء فوضى الاستيراد وفقا للحكومة.
وأصدر مجلس الوزراء، 9 سبتمبر 2018، القرار رقم 75 بشأن حصر استيراد السلع الاساسية والمشتقات النفطية عن طريق أحد الأدوات المالية للتجارة الدولية (اعتمادات، او تحصيلات، تحويلات مستندية) وقالت اللجنة الاقتصادية إنه يأتي ضمن حزمة من القرارات التي تهدف إلى استقرار العملة المحلية وإعادة الثقة فيها واستعادة قيمتها أمام العملات الأجنبية.
وألزم القرار 75 كل تجار المشتقات النفطية بالحصول على تصاريح مسبقة لاستيراد الوقود عبر البنك المركزي في عدن، واوضحت اللجنة الإقتصادية أن هدف القرار 75 وآليته التنفيذية، ضبط وتنظيم تجارة المشتقات النفطية وإنهاء فوضى استيراد الوقود، وأن تطبيقه يرفد خزينة الدولة بمليارات من الرسوم الجمركية وسيحد من التهريب وسيرفع من جودة ومواصفات الوقود المستورد.
أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن يوسف سعيد أوضح أن قرار الحكومة رقم 75 وآليته التنفيذية موجه لضبط وتنظيم تجارة المشتقات النفطية في عموم اليمن وأنه يضع نهاية لفوضى استيراد المشتقات، وقال سعيد لـ"المصدر اونلاين" "لا يمكن إلا أن يكون أثر القرار ايجابياً بغض النظر عما يثار حوله من لغط، وهذا المستوى من الضجيج بشان إجراءات الحكومة لتنظيم استيراد النفط لا يصدر إلا من اولئك الذين لهم مصلحة مباشرة في استمرار فوضى الاستيراد".
وأكد سعيد، أن تطبيق القرار على أرض الواقع سيضع حداً للتحايل على حساب مواصفات وجودة المستورد كما سيحد من التهريب الذي الحق ضرراً كبيراً بسيارات المواطنين وترتب عليه تكبد الاقتصاد خسائر كبيرة، وأشار إلى أن نفيذ القرار على أرض الواقع سيرفد خزينة الدولة بموارد ضريبية كبيره ربما قد تصل قيمتها إلى أكثر من 80 مليار ريال سنوياً من منفذ الحديدة فقط.
وبدأت الحكومة مطلع العام الجاري تطبيق المرحلة الثانية من القرار 75 والتي يتم فيها اشتراط سداد الرسوم الحكومية (الضرائب والجمارك) وطلب الوثائق المؤكدة لتنفيذ ذلك، عند منح وثيقة الموافقة على دخول المشتقات إلى جميع الموانئ اليمنية، واشتراط وإلزام التجار بإيداع وديعة نقدية لا تقل عن متوسط قيمة آخر 3 شحنات نفذها التاجر، وذلك في البنك المركزي اليمني، كتأمين يعزز من العملة المحلية ويحد من المضاربة على العملة في السوق السوداء.
وأصدرت الحكومة مطلع 2019، القرار رقم 49، وقالت إن الهدف هو الحد من التجارة غير القانونية للمشتقات النفطية في اليمن، وقالت إنها حققت نتائج إيجابية في تطبيق القرار 75 وآليته التنفيذية، خلال الربع الأول من العام الجاري 2019، تمثلت أهمها في المساهمة في تعزيز قيمة واستقرار سعر العملة الوطنية عند حدود معقولة بلغ متوسطها 516 ريال للدولار الواحد، و حصول السوق على حاجته من الوقود بمتوسط حوالي 300 ألف طن في الشهر الواحد، دون حدوث أو ظهور أي أزمات في أي من مناطق اليمن.
في المقابل، أعلنت سلطات المتمردين الحوثيين التصعيد والحرب ضد إجراءات الحكومة، من خلال افتعال أزمات متعمدة للمشتقات النفطية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وإجبارها تجار المشتقات النفطية في المناطق الخاضعة لها بعدم الإلتزام بالقرار وآليته التنفيذية، وإجبارهم على استيراد الوقود، و شحنه إلى ميناء الحديدة بالمخالفة واستخدام التهديد الأمني بالسجن والاعتقال، والتهديد المالي بعدم سداد المستحقات والتهديد التجاري بعدم السماح للشحنات الملتزمة بالقرار بالتفريغ في ميناء الحديدة.
وضمن اجراءات التصعيد من قبل الحوثيين، تم الزام موظفي شركة النفط للاحتشاد و الاعتصام امام مقار الأمم المتحدة و منظماتها في صنعاء، وعملت على إحداث تدهور إنساني في المناطق الخاضعة لسيطرتها، و تسويقه لدى المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة، في مسعى للإتجار بالمعاناة الإنسانية واستخدامها كورقة ضد الحكومة.
ومنذ سبتمبر الماضي اختلقت ميلشيا الحوثيين أزمات مستمرة، أغلقت المئات من محطات التعبئة في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لها، مما تسبب في ارتفاع الأسعار وعودة طوابير السيارات مجدداً، وحاولت الاستنجاد بالأمم المتحدة لمواجهة التدابير التي اتخذتها الحكومة الشرعية لتحصيل عائدات ضرائب وجمارك المشتقات النفطية المستوردة عبر ميناء الحديدة.
وتقول مصادر في شركة النفط بصنعاء ومتعاملون، إن الكميات التي تدخل تختفي من المحطات وتظهر في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، وإن كميات الوقود المستوردة عبر الحديدة تكفي لتلبية احتياجات السكان، إلا أن الحوثيين يفتعلون الأزمة للمتاجرة بها إنسانياً بهدف التهرب من دفع رسوم الضرائب والجمارك لمصلحة الحكومة الشرعية.
الناطق باسم نقابة موظفي شركة النفط بصنعاء محمد الحمزي، أوضح أن الأزمة ستطول اكثر لأن السلطة في صنعاء تريد ذلك للضغط على المجتمع الدولي والأمم المتحدة من خلال تفاقم الأزمة وتأثيراتها على المواطن وعلى القطاعات الصحية والخدمية والبيئية ولزيادة معاناة اليمنيين، لا يهمهم معاناة المواطن ولا الكارثة الإنسانية والصحية والبيئية والغلاء .
وقال الحمزي لـ"المصدر اونلاين" الذي يهم الحوثي هو إلغاء القرار رقم 49 لعام 2019 والصادر عن الحكومة واللجنة الاقتصادية والتي حددت عدداً من الإجراءات للحد من انهيار العملة الوطنية وغسيل الأموال وتنظيم سوق المشتقات النفطية.
وأكد الحمزي أن الالتزام بتنفيذ القرارات الحكومية مهم جدا خاصة وقد التزمت اغلب موانئ الجمهورية في كل المناطق ماعدا الحديدة.
ووافقت الحكومة اليمنية، 15 أكتوبر، على دخول 10 سفن محملة بمشتقات نفطية، وأكدت وزارة الخارجية اليمنية في بيان أن "مبادرة الحكومة بالسماح للسفن بالدخول إلى ميناء الحديدة وتفريغ حمولتها تأتي انطلاقا من حرصها على التعجيل بإدخال شحنات الوقود إلى الحديدة والتخفيف من معاناة المواطنين وتحسين الوضع الإنساني في مناطق الخضوع للمليشيات الانقلابية، وكذا استجابة لطلبات المنظمات الدولية المتخصصة، ودعما لجهود المبعوث الدولي لتطبيق اتفاق ستوكهولم".
ودعت الحكومة، الأمم المتحدة للقيام بدورها وتحمّل مسؤوليتها بالرقابة على تلك الأموال في فرع البنك المركزي اليمني في الحديدة وضمان عدم سحبها أو استخدامها خارج صرف مرتبات المدنيين وفق الآلية التي يتم العمل على إتمامها والاتفاق عليها، وكذا القيام بدورها وتحمّل مسؤوليتها في ضمان عدم قيام المليشيات الحوثية بفرض أو تحصيل أي جبايات أو رسوم أخرى على التجار.
الباحث والمحلل الاقتصادي حسام السعيدي، اعتبر أن القرار الحكومي رقم 75 الخاص باستيراد المشتقات النفطية، محاولة حكومية للسيطرة على تجارة المشتقات النفطية وهي التجارة الرابحة والنشطة في اليمن والتي تسيطر عليها شركات تتبع بشكل مباشر مراكز النفوذ المختلفة، منها شركات تتبع قيادات حوثية تعمل مباشرة على استيراد النفط وتوزيعه في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات.
وقال السعيدي لـ"المصدر اونلاين" :" هدف القرار 75 إلى منع حصول المليشيات على النفط الإيراني ومحاولة وقف الصفقات المشبوهة، وكذلك ضبط شراء العملات الاجنبية لغرض استيراد النفط ، لكن القرار عانى من صعوبات كبيرة في التنفيذ ودهاليز كثيرة واشكالات متنوعة، أهمها أن الحكومة غير قادرة على التدخل الفعلي وهو الأمر الذي أخضعها لابتزاز المليشيات وابتزاز تجار النفط ايضا احيانا".
واعتبر السعيدي أن اشكاليات في تطبيق القرار75 ، دفعت الحكومة الى اتخاذ القرار رقم 49 والذي أناط بمصافي عدن استيراد النفط حصريا، وهو القرار الذي يبدو مهددا بالفشل، واقترح السعيدي، اناطة الموضوع لشركة النفط وترتيب وضعها الاداري والمالي، الى جانب مصافي عدن، والاستعانة بكوادر الشركة، والخبرات المتراكمة، وفصلها تماما عن جهازها السابق والخاضع لسيطرة الحوثيين، بالإضافة الى ايجاد حلول بالتنسيق مع الاطراف سواء التجار او البنوك، ووقف عمليات الاحتكار المطلق، والقرارات المعلبة الجاهزة غير القابلة للتطبيق.