«تصفية للقضية الفلسطينية»، هكذا وصف البعض بنود صفقة القرن، التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني 2020.
فالصفقة لا تكتفي بمنح الفلسطينيين جزءاً من أراضيهم فقط، بل يبدو أنها تحمل في طيّاتها تهديداً مبطناً للفلسطينيين للقبول بالنزر اليسير المعروض عليهم، أو التعرُّض لما هو أسوأ.
الخطة تقول إن القدس سوف تبقى العاصمة غير المجزّأة أو المقسمة لإسرائيل، مع الإشارة إلى السماح للمسلمين والمسيحيين بزيارة مقدساتهم.
ومن الواضح أن المسجد الأقصى والمقدسات المسيحية سوف تبقى خاضعة للسيادة الإسرائيلية، مع ترتيبات مع الأردن بشأن المسجد الأقصى.
إذ إنه حسب الخطة ستعمل إسرائيل عن كثب مع ملك الأردن، للتأكد من الوضع القائم حالياً فيما يتعلق بالأماكن المقدسة والسماح للمسلمين بممارسة شعائرهم في المسجد الأقصى.
من الواضح أن الخطة تحاول أن تفصل بين الفلسطينيين وبين مقدساتهم الإسلامية والمسيحية.
فترامب في خطبته يتحدث عن الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية باعتبارها ملكاً لليهود والمسيحيين في العالم كله.
ويركز على أن القدس مقدسة للمسيحيين واليهود، وأنهم يستطيعون أن يقوموا بزيارتها تحت السيادة الإسرائيلية، راسماً صورة بيضاء ناصعة لقدس خاضعة لإسرائيل، ولكنها قبلة للمتدينين المسيحيين، واليهود يتمتعون فيها بحرياتهم الدينية، دون تركيز على أهمية القدس للمسلمين، باستثناء الإشارة إلى بقاء وضع المسجد الأقصى، والتشاور مع الأردن بشأن الترتيبات الخاصة به، مع السماح للمسلمين السلميين بزيارة المسجد الأقصى.
ويبدو أنه ينتظر أن يشكره المسلمون في العالم على أنه لن يطلب من إسرائيل هدمه.
اللافت أن جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي وصهره، قال إن امتلاك الفلسطينيين عاصمة في القدس الشرقية ليست قضية إسلامية، بل فلسطينية.
وأوضح كوشنر في حوار مع الجزيرة عقب مؤتمر إعلان صفقة القرن، أنه بالنسبة للأماكن المقدسة الإسلامية فإن الخطة تضمن إشراف الأردن عليها، واعتراف إسرائيل بذلك، وحق المسلمين في زيارتها.
إذ يعتبر أن الفلسطينيين والمسلمين نالوا ميزة بالخطة، عبر الاعتراف الإسرائيلي بالدور الأردني في المسجد الأقصى، والاعتراف به أصلاً كمكان مقدس للمسلمين.
كان لافتاً أن ترامب قال إن القدس الآن محرَّرة، في إشارة إلى أنه يعتبر أن خضوعها للسيادة الإسرائيلية هو وضع طبيعي.
وحسب الخطة ستعترف واشنطن بسيادة إسرائيل على الأراضي التي توفرها الرؤية، لتكون جزءاً من دولة إسرائيل.
كما تحدّث ترامب عن أن الكل سيبقى في بيته، في إشارة لبقاء المستوطنات، والاعتراف بها جزءاً من إسرائيل.
وأشار جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي وصهره، في إطار شرحه للصفقة، إلى أن الخطة تتضمن إيقاف نمو المستوطنات لمدة أربع سنوات.
وشدد على أن الخطة لن تُخرج أي إسرائيلي أو فلسطيني من بيته، وهو ما فهم منه أن المستوطنات ستبقى وتُضم إلى إسرائيل.
من المعروف أن قرارات الشرعية الدولية تعتبر الاستيطان الإسرائيلي أمراً مخالفاً للقانون الدولي.
ولكن رغم ذلك التهمت إسرائيل أكثر من 51.6%، من مساحة الضفة الغربية (بما فيها مدينة القدس الشرقية)، على مدار العقود الماضية لصالح الاستيطان، والقواعد العسكرية، وما يسمى بـ «أراضي الدولة».
ويفهم من كلام ترامب ونتنياهو وكوشنر أن هذه الأراضي سوف تضم لإسرائيل، أي أن الخطة تبتلع نصف أراضي الضفة الغربية.
المرحلة الانتقالية المقترحة لحل الدولتين لن تمثل خطورة كبيرة على دولة إسرائيل بأي شكل من الأشكال، حسب ترامب، الذي قال: «لن نسمح بالعودة إلى أيام سفك الدماء والمتفجرات والهجوم على الملاهي».
هذا ما قد تبدو عليه دولة فلسطين المستقبلية بعاصمة في أجزاء من القدس الشرقية. pic.twitter.com/CFuYwwjSso
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) January 28, 2020
تركز خطبة ترامب، وبالتالي خُطته، بشكل أساسي، على محاصرة حماس والجهاد وحزب الله، وقد يكون هذا هو الجزء الأهم لإسرائيل.
إذ يمكن أن ينتهي الأمر بأن الخطة سوف تبدأ بتعزيز الحصار على غزة، خاصة أن الحرب على حماس والجهاد هي هدف مشترك بين إسرائيل والأنظمة العربية الصديقة لأمريكا، مثل مصر والسعودية والإمارات.
كما ركّز ترامب على تسفيه النضال الفلسطيني، إذ اعتبر أن كل نضالهم السابق هو عملية استغلال لهم من أجل العنف، ومتحدثاً عن خطأ العالم الإسلامي في عام 1948، عندما هاجم إسرائيل، متناسياً اعتداءات وحروب إسرائيل المتعددة على العرب.
ووجه ترامب الشكر لسفراء الإمارات وسلطنة عمان والبحرين على حضورهم للمؤتمر الصحفي.
كان لافتاً ما قاله ترامب بأن المناطق المخصصة في الخطة لدولة فلسطين، ستظل غير مطورة لمدة أربع سنوات، وذلك في تلميح إلى أن هذه مهلة ممنوحة للفلسطينيين، بعدها يمكن أن يفقدوا فرصة الحصول على هذه الأراضي، التي سوف تشكل أصلاً جزءاً من الضفة الغربية بسبب ابتلاع إسرائيل الجزء الآخر.
التهديد الآخر هو قوله إن الصفقة فرصة عظيمة وتاريخية للفلسطينيين، لتحقيق دولة مستقلة خاصة بهم، بعد 70 عاماً من تقدم بسيط.
وأردف ترامب قائلاُ «وقد تكون هذه آخر فرصة يحظون بها».
قال ترامب إن خطته تمنح الفلسطينيين عاصمة في القدس، وسوف تقوم الولايات المتحدة بافتتاح سفارة بها.
ومن المفهوم أن العاصمة التي يريدها الإسرائيليون وإدارة ترامب لفلسطين سوف تكون قرية على حدود القدس (أبو ديس على الأغلب)، على أن تسمى القدس ذراً للرماد في العيون.
الخطة تقدم استثمارات تجارية كبيرة، تقدر بخمسين مليار دولار في الدولة الفلسطينية الجديدة، وقال ترامب إن الكثير من الدول تريد المشاركة في هذا الأمر.
أشار كوشنر إلى أن الخطة توفر للفلسطينيين ميزة اعتراف إسرائيل بدولتهم.
اللافت أن كوشنر قال إن الخطة تتضمن إعطاء أراض جديدة للفلسطينيين.
وقال عندما تظهر الخرائط سوف تظهر هذه الأراضي.
ولم يوضح صهر الرئيس، هل تُمنح هذه الأراضي للفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، أم أنها سوف تمنح من أراضي دولة عربية أخرى.
وبالفعل نشر ترامب خريطة تظهر فيها الدولة الفلسطينية المقترحة في خطته، وقد استقطع منها مساحات كبيرة، خاصة غور الأردن.
ولكن اللافت أن الخريطة تظهر منح الفلسطينيين أراضي خارج الضفة وقطاع غزة، من أراضي 48 الصحراوية، بالقرب من الحدود مع مصر.
وكانت بعض التقارير الإعلامية قد تحدثت عن أن الصفقة تتضمن منح الفلسطينيين أراضي مصرية.
نتنياهو أعلن قبوله التفاوض مع الفلسطينيين على أساس خطة ترامب للسلام.
قال نتنياهو إن الخطة تمنح إسرائيل حدوداً مع نهر الأردن، وهذا يعطي إسرائيل فرصة للدفاع عن نفسها، في إشارة إلى أن الخطة تعترف بضم إسرائيل لغور الأردن.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يواجه تحقيقاً في بلاده، مخاطباً ترامب، إن خطتك تدعو لنزع سلاح قطاع غزة.
وقال إن مشكلة الفلسطينيين يجب أن تحل خارج دولة إسرائيل، في إشارة إلى رفض تل أبيب لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا من ديارهم.
وأشار إلى أن المواقع الدينية ستكون مفتوحة لكل الأديان.
وجدد نتنياهو الإشارة إلى مهلة الأربع سنوات.
إذ قال إن إسرائيل ستحافظ على الوضع القائم في الأماكن التي تصنفها الولايات المتحدة بأنها ليست جزءاً من إسرائيل لمدة أربع سنوات.
ثم أضاف: «في المقابل ستطبق القوانين الإسرائيلية في غور الأردن وغيرها من المناطق بالضفة، التي تعتبرها الولايات المتحدة جزءاً من إسرائيل (مناطق المستوطنات التي تقدر بأكثر من نصف الضفة).
وأغرق نتنياهو ترامب بالإطراء، قائلاً: «إن أفضل صديق لإسرائيل جاء للبيت الأبيض».
وقال مثنياً على قريحة ترامب التي جادت بهذه الخطة: «أصحاب العقارات يستطيعون أن يتوصلوا لأشياء لا يستطيع البشر العاديون الوصول إليها».
وركز نتنياهو على المشتركات اليهودية والمسيحية، مع تجاهل للمسلمين، في حديثه عن المقدسات الدينية بفلسطين.
وأعلن البيت الأبيض أن تفاصيل الخطة سوف تُنشر لاحقاً.