"نعيش في جحيم الحرب، وبصعوبة نتدبر أمور حياتنا، لا نتسلم حتى رواتبنا، وبالتالي لم يكن تنقصنا مشكلة ازدواجية التعامل بالأوراق النقدية الجديدة الخاصة بالحكومة الشرعية والأوراق القديمة التي يتمسك بها الحوثيون لأننا لا نملك المال أصلا".
هكذا أجاب المعلم اليمني محمد سعدان على سؤال للجزيرة نت حول الإشكالات التي يواجهها عند التعامل بالأوراق المزدوجة.
ويعتبر البنك المركزي التابع للحوثيين بصنعاء قرار منعه التداول بالأوراق النقدية الجديدة التي أصدرتها الحكومة خطوة مهمة للحفاظ على قيمة الريال اليمني، في حين يرجع البنك المركزي بعدن أسباب طباعة أوراق النقد الجديدة إلى محاولته إنهاء مشكلة تفاقم الأزمة النقدية في البلاد ودفع المرتبات.
انعكاسات سلبية
لم تتوقف أزمة ازدواجية التعامل بالأوراق النقدية عند صعوبة التعامل بها في بعض المحافظات التي تديرها الحكومة، وصعوبة تعامل المواطنين بها في مناطق سيطرة الحوثيين، ولكن الأعباء الاقتصادية لهذه الأزمة انعكست سلبا على مسألة القدرة الشرائية للمواطنين في أغلب المحافظات، الذين أصبحوا مجبرين على شراء السلعة نفسها بأسعار متفاوتة، ويعتمد ذلك على نوع العملة التي يمتلكونها.
ويقول هشام عبد المجيد (يقيم في صنعاء) في حديث مع الجزيرة نت إن الحوثيين يجبرون التجار على وضع لافتات في المتاجر تطلب من الزبائن عدم التعامل بالأوراق الجديدة، وإن المحلات لا تتعامل بها، ولكن بعض التجار -خاصة أصحاب المحلات الصغيرة أو البسطات وبائعي القات (شجرة يمضغها اليمنيون كعادة يومية)- ما زالوا يتعاملون بها بشكل غير رسمي، ويستغلون ذلك لبيع السلع بأسعار أعلى إذا كان الدفع بالأوراق القديمة، وبفارق قد يصل إلى ألفي ريال في السلعة الواحدة.
ويؤكد رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك بصنعاء فضل منصور أن التداول النقدي للعملة القديمة والجديدة وصلت تأثيراته إلى جميع المدن اليمنية، حيث إن منع تداول الأوراق الجديدة بعد استخدامها في عمليات البيع والشراء لما يزيد على عامين تسبب في وجود الكثير من الأموال لدى القطاع التجاري والبنوك والصرافين من هذه العملة، ولدى عموم المستهلكين في أغلب المدن.
ويوضح فضل منصور أن استخدام العملة القديمة التي أصبحت محدودة التداول نتيجة فترة استخدامها الطويل وتلف الكثير منها أثر كثيرا على القدرة الشرائية للعملات الصعبة، وتوفير الاحتياجات لتغطية عملية الاستيراد في المحافظات المختلفة.
ونتيجة لذلك، لجأ الكثير من التجار إلى توفير عملة الدولار للاستيراد من المحافظات الجنوبية والشرقية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار العملات الأجنبية في تلك المحافظات، وبالتالي خلق سوقين للعملات المحلية، وتفاوتا في أسعار الدولار والعملات الأخرى بين المحافظات؛ مما نتج عنه ارتفاع أسعار السلع الغذائية وغيرها، حسب منصور.
وطالب رئيس جمعية حماية المستهلك بتحييد الاقتصاد لأن المتضرر في النهاية هو المستهلك الذي قال إنه قد تأثر بالفعل بسبب هذا الارتفاع، وتجاوزت نسب الأسعار أكثر من 15% في بعض السلع، الأمر الذي أثر بشكل كبير على قدرات المستهلكين الفقراء أصلا.
أزمة خطيرة
يفيد الباحث الاقتصادي اليمني محمد راجح بأن اليمن حاليا يعيش أخطر أزمة اقتصادية في الصراع الدائر منذ نحو خمسة أعوام، حيث أصبح واضحا أن هناك استهدافا مباشرا للعملة التي تعد آخر رمز سيادي في اليمن، إذ لم تعد الوحدة اليمنية تتجسد سوى في عملته الوطنية التي كانت عملية تداولها تتم بالقيمة نفسها في كل مكان داخل البلاد.
وخلق الصراع الدائر حاليا حول تداول الأوراق النقدية أضرارا جسيمة على كل المستويات -حسب محمد راجح- حيث أصبح لدى اليمنيين عملة قديمة تالفة في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين غير صالحة للاستخدام، وهناك عملة أخرى في عدن حيث توجد الحكومة اليمنية.
ويزيد راجح أن هذا الصراع يؤدي إلى ارتفاع في أسعار السلع بنسبة تزيد على 200%، وانخفاض قيمة العملة اليمنية جراء التخلص منها عبر مبادلتها بعملات أجنبية، خاصة الريال السعودي، إلى جانب ارتفاع كلفة التحويلات النقدية.
وحسب راجح، فإن هذا الصراع القائم يُفقد جزءا كبيرا من الأموال لصالح السوق السوداء والمضاربين في العملة، وكذلك حركة التهريب بين مناطق الطرفين، وكل ذلك يؤدي إلى انعكاسات خطيرة على الوضع المعيشي للمواطنين، من خلال تردي الخدمات المقدمة، وارتفاع أسعار السلع الغذائية، وفقدان العملة قيمتها وتشظيها أكثر بين الطرفين، وتكبيد الاقتصاد الوطني خسائر باهظة.
وكانت جماعة الحوثي استبقت خطوة وقفها التعامل بالأوراق الجديدة بحملات مداهمة للمصارف والشركات والمحلات التجارية، وصادرت ملايين الريالات منها، حتى اضطر الناس إلى التوقف عن تداولها، وسارع البعض لاستبدالها بالنقود القديمة أو "الريال الإلكتروني" في النقاط التي حددتها جماعة الحوثي.
وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن الريال اليمني فقد منذ بداية الحرب قبل خمسة أعوام 150% من قيمته، وأدت أزمة السيولة الحادة إلى ارتفاع التضخم إلى نحو 40%، إضافة إلى ارتفاع كلفة سلة الغذاء 60%.