أدى قرار ميليشيا الحوثي إلغاء التعامل بالعملة النقدية "الجديدة" إلى خلق أسواق سوداء تزيد من أعباء المواطن في مناطق الحكومة الشرعية، في حين يتردد أن المبعوث الأممي يضغط على الحكومة لتغطية نقص السيولة النقدية من العملة "القديمة" لدى الحوثي بضخ مليار ريال..!!
"لم نعد نشاهد الطبعة القديمة من العملة الوطنية في تعاملاتنا اليومية داخل الاسواق، وبات التعامل مقتصرا فقط على الطبعة الجديدة من العملة الوطنية"- يقول المواطن بشير الصالحي، من أبناء مدينة "التربة" الريفية، الواقعة جنوبي محافظة تعز، وتعتبر ثاني أكبر المدن بالمحافظة.
ولتفسير ذلك، يؤكد الصالحي لـ"يمن شباب نت"، أن "سوقا سوداء" كبيرة للعملة الوطنية ظهرت مؤخرا في مدينة التربة، تعمل على سحب "الطبعة القديمة" من العملة الوطنية بغرض المتاجرة بها؛ ما أدى إلى ندرة تداولها في الاسواق العامة للمدينة الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، لتجد طريقها نحو مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي عبر تجار هذه السوق السوداء.
أسباب ظهور "السوق السوداء"
خلال الفترة الماضية من أعوام الحرب الخمسة، طبعت الحكومة الشرعية أوراق مالية جديدة للتداول المحلي، بعد أن تلفت معظم الأوراق المالية المتداولة من الطبعة القديمة. ومع أوأخر العام الماضي، ومطلع هذا العام، أصدرت مليشيا الحوثي الإنقلابية قرارا يقضي بحظر التعامل بهذه الطبعة "الجديدة"، وقصرت التعامل، في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، على الطبعة القديمة فقط.
أدى هذا القرار إلى فتح شهية سماسرة وتجار "السوق السوداء" لسحب الطبعة "القديمة" من الاسواق، بهدف المضاربة بها، ولإستغلال حاجة الباحثين عنها كالتجار والمواطنين ممن يمارسون انشطة تجارية أو يتنقلون بين مناطق الشرعية ومناطق سيطرة الحوثيين.
وبحسب الصالحي، فقد "أختفت الطبعة القديمة للعملة من الاسواق العامة، نتيجة سحبها من قبل تجار العملة في السوق السوداء. حيث يضطر المواطنون الذين يتنقلون بين مناطق سيطرة الشرعية ومناطق سيطرة الحوثيين للبحث عن الطبعة القديمة من العملة، لتسهيل تعاملاتهم النقدية..".
وأضاف: بسبب ذلك القرار الحوثي، يضطر اولئك الذين يذهبون إلى صنعاء من أجل العلاج أو الدراسة أو العمل، إلى البحث عن الطبعة القديمة لدى تجار العملة في السواق السوداء، حيث يضطرون لإستبدال مبلغ مائة الف ريال من الطبعة القديمة مقابل مائة وعشرة الف ريال من الطبعة الجديدة".
التجار.. قرار كارثي
لا يقتصر الأمر على المواطنين فقط، إذ يضطر التجار هنا- كتجار الخضروات والأدوية وغيرها من السلع الاساسية- للبحث عن الطبعة القديمة من العملة لتسهيل تعاملاتهم التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين؛ حيث لا يقبل التجار هناك التعامل بالعملة الجديدة مقابل بيعهم سلعهم.
يقول تاجر الخضروات عبدالكريم المقطري: "تعاملاتنا التجارية أصبحت أكثر صعوبة، عقب قرار الحوثيين حظر التعامل بالطبعة الجديدة من العملة في المناطق التي يسيطرون عليها، فنحن نشتري بضائعنا بشكل شبه يومي من تلك المناطق.."- معظم الخضروات الأساسية والفواكه تزرع وتباع في/ من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، مثل: ذمار، وصنعاء، وصعدة..!!
يضيف المقطري لـ"يمن شباب نت": "لقد أجبرنا ذلك القرار على البحث عن الطبعة القديمة من العملة لتسهيل تعاملاتنا التجارية اليومية، فلم نعد نجد الطبعة القديمة خلال تعاملاتنا اليومية في أسواق مدينة التربة إلا بشكل نادر جداً، ولم يعد العثور عليها متاحاً إلا لدى تجار العملة في السوق السوداء".
وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار المواد والسلع المشتراة من مناطق سيطرة الحوثيين. حيث يقوم التجار بإضافة فارق شراء العملة القديمة إلى أسعار البيع للمواطن، ما ضاعف بدوره الأسعار التي تضاعفت أصلا، في السابق، على أبناء مدينة تعز بشكل خاص، بسبب صعوبة المواصلات بعد قطع الطريق الرئيسية واستبدالها بطرق التفافية بعيدة وجبلية..!!
البديل اكثر سوءً
الخيار الآخر أمام التجار والمواطنين ليس بأقل سوءً من سابقه..!! يقول المقطري: "حين بحثنا عن بديل آخر يجنبنا البحث عن العملة القديمة في الاسواق السوداء، كونها تدخل في الربا، وهو ما لا نقبله على أنفسنا ولا على تجارتنا، لم يكن أمامنا سوى التعامل عبر الحوالات النقدية لتسهيل تعاملاتنا التجارية".
واستدرك: "ولكن..هنا ايضاً فرضت شركات الصرافة على حوالاتنا النقدية عمولات كبيرة جداً، فالمبلغ الذي كنا نحوله في السابق مقابل عمولة لا تتجاوز الأربعة آلاف ريال بتنا نحوله اليوم بعمولة تصل إلى مائة وعشرون الف ريال".
فبالتزامن مع قرار الحوثيين حظر تداول العملة الجديدة، ضاعفت محلات وشركات الصرافة عمولاتها على الحوالات المالية المرسلة من مناطق إدارة الحكومة الشرعية إلى مناطق سيطرة الحوثيين، وبزيادة وصلت الى 1600% عما كنت عليه سابقاً.
وقد فرض هذا القرار، هو الأخر، عن طريق ميليشيات الحوثي، تحت ذريعة منع أي تلاعب بسبب وجود فارق في صرف وشراء العملات الأجنبية بين مناطق الشرعية والميليشيات الحوثية.
وبهذا تكون الميليشيات قد قطعت على المواطنيين والتجار استخدام هذا البديل للتداول المالي والتجاري وإيصال أموالهم إلى مناطق سيطرة الحوثيين عبر التحويلات المصرفية.
وهو الأمر الذي، يؤكد التاجر المقطري أنه انعكس تباعاً على أسعار السلع والبضائع التي نستوردها من مناطق سيطرة الحوثيين، لتشهد ارتفاعاً ملحوظاً بقدر تلك الزيادة "فالبضائع التي كانت كلفتها مليون ريال باتت كلفتها اليوم مليون ومائة الف ريال، أو ربما أكثر من ذلك".
وبحسب مراقبين، فإن تلك الزيادة في عمولة الحوالات النقدية، تحت ذريعة شحة السيولة النقدية وإختلاف أسعار صرف العملات الاجنبية بين مناطق الشرعية ومناطق الحوثيين، "لم تكن سوى عملية إبتزاز منظمة جرت بالتنسيق بين تلك الشركات وبين مليشيا الحوثي الإنقلابية، لتجعل من المواطنين والتجار في مناطق سيطرة الشرعية ضحايا لأكبر عملية إبتزاز في تاريخ اليمن".
إختراق خطير لشرعية غائبة
إن ما يحدث في مدينة "التربة" ليس سوى نموذجا لما هو حاصل في كافة المدن المحررة بمحافظة تعز؛ كما هو أيضا حال المدن المحررة في بقية المحافظات الأخرى، وإن بشكل أقل. بحسب أحد الخبراء الأقتصاديين.
ويضيف المصدر الأقتصادي، الذي تحدث لـ"يمن شباب نت" شريطة سرية الهوية، قائلا: وفي المحصلة، فإن مليشيا الحوثي الإنقلابية قد حققت إختراقاً خطيراً لمناطق سيطرة الشرعية، تمكنت من خلاله من سحب معظم الطبعة القديمة من العملة من داخل مناطق الشرعية، وأجبرت التجار والمواطنين في تلك المناطق على تمويل خزينتها ودعم حروبها الداخلية.
وأمام هذا كله، لا يجد غالبية المواطنيين المتضررين ما يدعو إلى الاستهجان أكثر من التزام الحكومة الشرعية وبنكها المركزي الصمت، وظهورها وكأنها عاجزة عن إتخاذ أية إجراءات تجبر تلك الميليشيات على التراجع عن قراراتها التدميرية تلك؛ أو ما تنقذ به المواطيين والتجار وتحميهم من أثار تلك الإجراءات الكارثية التي لم تراع فيها الميليشيات سوى مصالحها الشخصية دون أدنى أعتبار للمواطن المسكين..!!
وبدلا من ذلك، يتردد في الكواليس أن المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، يسعى إلى إقناع الحكومة الشرعية إنقاذ الميليشيات الحوثية بمنحها سيولة مالية من الطبعة القديمة المخزنة لديها، بما قيمته مليار ريال، مقابل نفس المبلغ من الطبعة الجديدة التي جمعتها وخزنتها الميليشيات الحوثية، وذلك تحت مبرر "ضرورة حيادية البنك المركزي"!!
المصدر: يمن شباب نت