حرب النفط.. لماذا قررت السعودية خفض أسعار النفط بهذا الشكل، وما علاقة روسيا وأمريكا بالقصة؟
الثلاثاء 10 مارس 2020 الساعة 09:48
تعز أونلاين- ترجمات

ترجمة: عربي بوست

هبطت أسعار النفط بحوالي 30% بعدما أطلقت المملكة العربية السعودية أولى الطلقات في حرب أسعار، لتشهد بذلك أكبر انخفاضٍ في يومٍ واحد منذ اليوم الذي انهارت فيه بشدة في حرب الخليج أوائل التسعينيات.

وأسفر تهديد الرياض بتخفيض سعر النفط الخام ورفع الإنتاج عن انخفاض سعر خام برنت، الذي يعد المؤشر المرجعي الدولي لأسعار النفط، إلى 31.02 دولار للبرميل. فيما هبط سعر نفط غرب تكساس الوسيط، المؤشر المرجعي الأمريكي لأسعار النفط، إلى 27.71 دولار للبرميل.

ولكن لماذا قررت أكبر دولة مصدّرة في العالم اتخاذ إجراء شديد للغاية كهذا، في ظل تراجع الطلب على النفط بسبب أزمة فيروس كورونا؟ وما تأثير ذلك في قطاع النفط ككل؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية. 

لماذا تشن المملكة العربية السعودية حرب أسعار؟

أرادت المملكة قيادة أوبك وروسيا نحو إجراء تخفيضات أكبر على إنتاج النفط لدعم أسعار النفط الخام في مواجهة تفشي فيروس كورونا، الذي عطَّل النشاط الاقتصادي العالمي. ولكن حين رفضت روسيا هذه الخطة، انقلبت المملكة الخليجية على حليفٍ كانت تتعاون معه لدعم سوق النفط منذ عام 2016.

إذ ردَّت الرياض برفع الإنتاج وطرح نفطها الخام بأسعارٍ مخفضة للغاية. ويقول بعض المحللين إنَّ هذه كانت محاولة لمعاقبة روسيا على ترك التحالف المدعو بـ”أوبك بلس”. 

وأضاف المحللون أنَّ السعودية ربما ترغب كذلك في ترسيخ مكانتها في صدارة الدول المُصدِّرة للنفط في العالم. وقد أثبتت هذه الخطوة أنَّ الرياض مستعدةٌ لدخول مواجهةٍ علنية ضد روسيا وغيرها من الدول التي تُنتِج النفط بتكاليف أعلى. 

خطة المملكة لبيع جزء من الشركة هي جزء من إصلاح اقتصادي أوسع يهدف إلى رفع تيارات جديدة من الإيرادات للبلد الذي يعتمد على النفط/ AP

وفي هذا الصدد، قال شخصٌ مطلع على السياسة السعودية في قطاع النفط: “كان هناك إجماع بين أعضاء أوبك (على خفض الإنتاج). لكنَّ روسيا اعترضت وقالت إنَّ كل دولةٍ يحق لها أن تُنتج الكميات التي تريدها من النفط اعتباراً من 1 أبريل/نيسان. لذا فالمملكة أيضاً تمارس حقها”.

وشكَّك بعض المحللين في حكمة النهج الذي تتبعه السعودية، مشيرين إلى أنَّ اقتصادها ليس محصناً من تأثيرات انهيار الأسعار، حتى لو كانت تعتقد أنها قادرةٌ على الفوز بحصةٍ سوقية من منافسيها.

ولكن في عهد الأمير محمد بن سلمان، تشتهر المملكة باتخاذها خطواتٍ محفوفة بالمخاطر لا يمكن التنبؤ بها حين تشعر بالحاجة إلى إبراز قوتها. 

لماذا لم توافق روسيا على خفض الإنتاج؟

قالت روسيا إنها تريد أن ترى التأثير الكامل لفيروس كورونا في معدلات الطلب على النفط قبل اتخاذ أي إجراء.

لكنَّ موسكو كانت ترغب كذلك في إلحاق أضرار بقطاع نفط الصخر الزيتي في الولايات المتحدة. إذ تعتقد أنَّ خفض الإنتاج لن يسفر إلا عن تقديم طوق نجاة إلى قطاعٍ حوَّل نموه الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط في العالم، ما سيُكسِبها عملاء على حساب روسيا.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على بعض شركات الطاقة الروسية، بما في ذلك عقوباتٌ استهدفت الذراع التجارية لشركة روسنفت الروسية الحكومية للنفط في الشهر الماضي فبراير/شباط، والمحاولات الأمريكية لوقف مشروع إنشاء خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” إلى ألمانيا أثارت غضب الكرملين.

الرئيس الروسي طرح مبادرات لدعم إنجاب الأطفال في روسيا/رويترز

ويأتي هذا في الوقت الذي يواجه فيه قطاع نفط الصخر الزيتي الأمريكي صعوباتٍ في إدرار أرباح بالرغم من النمو الذي شهده على مرِّ العقد الماضي. وقال أشخاص مطلعون على استراتيجية موسكو إنَّ روسيا اعتقدت أنها كانت هناك فرصة سانحة لإلحاق الأذى بصناعة النفط الأمريكية.

وقال متحدثٌ باسم شركة روسنفت الأحد 8 مارس/آذار إنَّ “نفط الزيت الصخري الأمريكي حلَّ محل إجمالي كميات النفط التي خُفِّضت نتيجةً للتمديد المتكرر لاتفاقية أوبك بلس بالكامل وبسرعةٍ في السوق العالمية”.

وطلبت المملكة العربية السعودية من روسيا خفض 1.5 مليون برميل إضافي يومياً -ما سيجعل إجمالي الإنتاج المُخفَّض يصل إلى 3.6 مليون برميل يومياً أو حوالي 4% من الكميات المعروضة العالمية- وخيَّرتها بين قبول الطلب كما هو بلا تعديلات أو رفضه تماماً.

ويُعتقد أنَّ ذلك أغضب موسكو، التي لا ترى نفسها شريكاً صغيراً.

ماذا سيحدث لقطاع نفط الصخر الزيتي في الولايات المتحدة؟

جاء انهيار الأسعار في وقتٍ صعب بالنسبة للولايات المتحدة. فبينما ارتفع الإنتاج في هذا القطاع على مرِّ العقد الماضي، متجاوزاً معدلات الإنتاج في روسيا والمملكة العربية السعودية، أصبح يستهلك كل السيولة النقدية المُقترَضة بسرعةٍ كبيرة، ما يؤدي إلى تنفير المستثمرين منه.

وقد جعله ذلك عرضةً لانخفاض الأسعار. فيما أسفر الانخفاض الهائل في أسعار النفط منذ بداية العام الجاري عن إلقاء ظلالٍ من الشك على أي خططٍ متبقية لتوسيع الإنتاج.  

غير أنَّ التأثير السلبي الذي سيطال الإنتاج قد يُصبح خفيفاً. إذ يتخذ العديد من المنتجين الصغار المستقلين، الذين يشكلون معظم قطاع نفط الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، إجراءاتٍ تحوطية عن طريق تحديد قيمة إنتاجهم بأسعارٍ أعلى. لذا من المستبعد حدوث انخفاضٍ فوري في الكميات المعروضة. 

شيَّد ترامب 177 كيلومتراً فقط من أصل 1609 كيلومترات من الجدار المثير للجدل 

وفي هذا الصدد، قال أيهم كامل، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة أوراسيا: “نعتقد أنَّ إنتاج نفط الصخر الزيتي في الولايات المتحدة لن يتناقص بسرعةٍ كافية لإثبات صحة وجهات النظر الروسية بشأن تقليصه”.

لكنَّ العديد من منتجي نفط الصخر الزيتي يمكن أن يواجهوا صعوبةً في الحصول على تمويلٍ جديد لتمديد مواعيد سداد ديونهم الحالية. إذ يجري تداول العديد من السندات عالية المخاطر -التي تُصنَّف على أنها أقل من درجة الاستثمار- الصادرة عن شركات الطاقة في المناطق المتأثرة سلباً.

وبالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شكَّل انهيار الأسعار معضلة. إذ يعد انخفاض أسعار النفط جزءاً مهماً من محاولاته إقناع الناخبين بإعادة انتخابه، وغالباً ما يدعو منظمة أوبك إلى خفض الأسعار. لكنَّ انخفاض الأسعار فترة طويلة يمكن أن يسبب متاعب اقتصادية للولايات المنتجة للطاقة مثل تكساس ونورث داكوتا.

هل سيستمر انخفاض الأسعار؟ 

يبدو أنَّ آمال تعافي أسعار النفط على المدى القصير معلقةٌ على احتواء تفشي فيروس كورونا بسرعةٍ أكبر من المتوقع.

إذ حذَّر التجار من أن الطلب العالمي على النفط في العام الجاري 2020 قد يتقلص للمرة الأولى منذ الأزمة المالية التي اندلعت قبل أكثر من عقد. وكان من المتوقع أن يصبح استهلاك النفط أقل بنسبة تتراوح بين 1 و2% على الأقل في العام الجاري ممَّا توقعه المحللون في بداية العام، في ظل تأثُّر معدل الطلب سلباً بالقيود المفروضة على السفر البري والسفر الجوي.

ولكن مع احتمال تحوُّل فيروس كورونا إلى وباء عالمي، يبدو مستقبل النفط الخام على المدى القصير قاتماً.

لا تزال أسعار النفط منخفضة رغم خفض الإنتاج بكميّات كبيرة من قِبل مجموعة “أوبك+”/ رويترز

وتعتمد الكثير من أبعاد الوضع المنتظر على مدى ضخامة المستويات التي سترفع إليها المملكة العربية السعودية إنتاجها. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ السعودية لديها سعة إنتاجية احتياطية أكبر من أي بلد آخر، لذا يمكنها زيادة الإنتاج بسرعة وربما تضيف أكثر من مليون برميل يومياً في الأشهر المقبلة. ويمكنها كذلك أن تسحب نفطاً من مخزونها الاحتياطي لزيادة الصادرات.

أمَّا روسيا فربما تكون قدرتها على زيادة إنتاجها مقيدة بدرجةٍ أكبر. لذا فانخفاض الأسعار يمكن أن يُهدِّد وعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طويلة الأجل بالاستثمار في مجالاتٍ مثل البنية التحتية والإنفاق الاجتماعي.

وربما كانت المملكة العربية السعودية تأمل في أن شدة انخفاض الأسعار ستُجبِر روسيا على العودة إلى طاولة المفاوضات، لكنَّ هذا يبدو مستبعداً.

إذ قالت أمريتا سين، كبيرة محللي شؤون النفط في شركة Energy Aspects: “هذا النهج السعودي الجديد لن يسفر إلا عن إصرار روسيا على موقفها”.

وإذا استمرت الأسعار عن مستوياتها المنخفضة للغاية، سيضطر منتجو النفط الآخرون في النهاية إلى تقليص خطط التوسع أو قد ينخفض إنتاجهم بسبب قلة الاستثمار. لكنَّ ذلك ربما يستغرق وقتاً طويلاً، وقد كان من المتوقع بالفعل أن يتباطأ نمو الطلب على النفط في النصف الثاني من العقد. لذا فالرهان على حدوث انتعاشةٍ سريعة في الأسعار يبدو سابقاً لأوانه.

ما تأثير ذلك في شركات النفط الست الكبرى؟

بعد انهيار أسعار النفط في عام 2014، لجأت بعض الشركات الكبرى مثل Royal Dutch Shell وBP وExxonMobil إلى تخفيض نفقاتها. 

إذ أجرت تخفيضاتٍ كبيرة في النفقات وباعت بعض الأصول ونظَّمت عملياتها لتظل مُربِحةً في ظل انخفاض أسعار النفط، وتحمي أعمالها من تقلُّبات السوق.

وصحيحٌ أنَّ هذه الشركات أصبحت أكثر فاعلية، وصارت تولِّد سيولة نقدية حين بلغ متوسط الأسعار حوالي 65 دولاراً للبرميل خلال العامين الماضيين أكبر من السيولة التي كانت تولِّدها حين كانت الأسعار تتراوح 100 دولار للبرميل ، لكنَّها تواجه ضغوطاً مختلفة.

شركة النفط السعودية أرامكو/رويترز

إذ ترغب هذه الشركات باستماتة في الحفاظ على أرباح الأسهم والمدفوعات التي يحصل عليها المساهمون والتي أصبحت غير مستقرة بسبب التوقعات التي تفيد بأنَّ الطلب على النفط قد يبلغ ذروته في العقد المقبل. وفي الوقت نفسه، تحتاج إلى تخفيض الديون والنظر إلى مصادر جديدة للطاقة مثل مصادر الطاقة المتجددة، خوفاً من التخلي عن مصادر الوقود الأحفوري على المدى البعيد.

ونظراً إلى أن أسعار النفط أصبحت أقل من 40 دولاراً للبرميل، يشك العديد من المستثمرين في إمكانية حدوث ذلك. ومن المرجح أن تتعرض أسعار الأسهم لضغطٍ في الأيام القادمة.

وفي هذا الصدد، قال نيل بيفريدج المُحلِّل في شركة Bernstein: “الشركات عالية الاستدانة ستكون الأكثر تأثُّراً بانخفاض أسعار النفط الخام”.


متعلقات