تقرير: قدامة خالد- عربي21
انهارت أسعار النفط بشكل غير مسبوق في الأسواق العالمية خلال الأيام الماضية نتيجة للخلاف الروسي السعودي حول تحديد مستويات الإنتاج، حيث سجل خام برنت، الخميس، 34.14 دولار للبرميل الواحد، والخام الأمريكي 31.60، أي أن الخامين القياسيين خسرا 50% من سعرهما منذ كانون الثاني/ يناير الماضي.
وفي ضوء ذلك، بدأت مطالبات بدول عربية بخفض أسعار المحروقات، إلا أن حكومات هذه الدول لم تستجب مشيرة بدعوى وجود عوامل أخرى تتحكم في سعر المحروقات إضافة للسعر العالمي للنفط.
وأجرت "عربي21" اتصالات بعدد من الجهات الحكومية المسؤولة في عدة دول عربية، للاستيضاح بهذا الشأن، ومن بينهم المتحدث الرسمي باسم وزارة البترول المصرية حمدي عبد العزيز، لكنه رفض التعليق.
وفي الأردن، أكدت لجنة تسعير المحروقات بوزارة الطاقة والثروة المعدنية، في بيان، أن تسعير المشتقات النفطية يتم على أساس السعر العالمي للمشتق نفسه وليس على أساس سعر برميل النفط الخام (برنت).
وأوضح البيان آلية تسعير مادة البنزين أوكتان 90 خلال شهر آذار (مارس) 2019، وآذار (مارس) الحالي والتي تم تداول مقارنة لأسعارها.
وأشارت الوزارة إلى أن السعر واصل ميناء العقبة يشمل السعر العالمي لمادة البنزين مضافا له جميع الكلف المتعلقة بالاستيراد، بما فيها النقل البحري والتأمين والمخاطر المتعلقة بالاستيراد.
وأكدت اللجنة في بيانها أن ارتفاع هذه الكلف مؤخرا جاء بسبب الظروف السياسية في المنطقة، وتغير التعليمات الصادرة عن المنظمة الدولية للنقل البحري والمتعلقة بتغيير مواصفات الوقود المستخدم في وسائل النقل البحري والتي تشمل السفن التي تقوم بنقل المشتقات النفطية.
من جهته أشار مصدر مسؤول في وزارة الطاقة التونسية إلى أن "الأسعار في البورصات العالمية هي للعقود الآجلة وليست العاجلة، أي عقود الكميات التي ستأتي بعد أكثر من ثلاثة أشهر".
وأوضح المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ"عربي21"، أنه يتم التخفيض أو الرفع في تونس وفق قانون يسمى التعديل الآلي لأسعار المحروقات، وهذا التعديل يتم عند التسليم وليس عند الشراء، ففرضا اشترت الدولة النفط بسعر اليوم فإن التعديل ينعكس بعد ثلاثة أشهر وليس عند توقيع عقد الشراء، لأنه في سوق النفط يتم أولا مثلا إبرام العقد اليوم ثم يتم التسليم بعد ثلاثة أشهر".
وحول ما إذا كان سعر النفط عالميا هو العامل الوحيد المتحكم في سعر المحروقات في تونس قال المصدر: "عندنا مجموعة ضرائب ثابتة لكن الذي يتغير هو حجم الدعم العمومي في الثمن النهائي، لأن الدولة التونسية تخصص سنويا ميزانية ضخمة لدعم المحروقات".
ولفت إلى أن التعديل في السعر سواء في الارتفاع أو الانخفاض يتم وفق مبلغ الدعم، بمعنى أنه إذا انخفض سعر النفط عالميا يُخفض الدعم أيضا بخفض السعر وهذا يتم آليا.
وأوضح المصدر التونسي أن التعديل الآلي ليس آليا بحتا وإنما يمر عبر مجلس الوزراء ويصدر بقرار وزاري، مؤكدا على أن مسألة التخفيض لم يتم بحثها حتى الآن، لكنه توقع أن يتم التخفيض وفق منظومة التعديل الآلي بعد أن يجتمع مجلس الوزراء وينظر في التأثير الحقيقي لكلفة الشراء.
عوامل أخرى
وفي تعليقهم على سبب عدم خفض الحكومات العربية لأسعار المحروقات نتيجة انهيار النفط، أوضح خبراء اقتصاديون حاورتهم "عربي21" بأن هناك عدة عوامل اخرى تتحكم بسعر المحروقات وليس فقط السعر العالمي للنفط.
حيث أشار أستاذ الاقتصاد بجامعة السوربون في باريس، كميل ساري، إلى أنه يجب أن يكون هناك مهلة بين انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية وسعر الشراء.
وأوضح: "مثلا النفط الذي تشتريه هذه الدول ربما أتى منذ 3 أو 6 أشهر من منفذ الإنتاج ومر عبر التكرير حتى يصل للمستهلك، وهذا المشتق "البنزين" الذي يستهلك اليوم تم شراؤه من طرف من يبيعه للمواطن ربما قبل ستة أشهر وربما بأثمان غير الموجودة حاليا".
وقال ساري في حديث لـ"عربي21": "لكن المشكلة في بعض الدول العربية التي تم تحرير أسعار المحروقات فيها كالمغرب هي أن هناك غشا وتلاعبا من طرف الموزعين، فهم لا يطبقون تخفيض السعر حينما ينخفض النفط، بالمقابل فإنهم حين يرتفع يطبقون التعرفة العالية مباشرة حتى على الكميات التي اشتروها بسعر أقل".
وأكد أن هناك عوامل أخرى إضافة لسعر النفط تتحكم في أسعار المحروقات، مضيفا: "تقريبا 30 في المئة من السعر هي تكلفة الإنتاج والتكرير والتوزيع وغيرها، ولكن عديدا من الدول تحدد ربما 40 أو 50 في المئة ضرائب، والدول تطبق ضرائب مرتفعة لدعم الميزانية بشكل كبير".
ولفت إلى أن المحروقات في عدد من الدول العربية تساهم بنسبة كبيرة في ميزانيتها، لذلك لا يمكن خفض أسعارها بشكل كبير، وبالتالي يتحمل المواطن العبء الأكبر لأنه دافع للضرائب ومنها ضريبة المحروقات.
وأضاف: "أيضا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يشترطان على الدول ومنها العربية والتي تقترض منهما خفض أو إزالة الدعم عن المحروقات، وذلك لرفد الميزانية ولخفض النفقات الحكومية".
من جهته قال نائب رئيس الوزراء الأردني، الأسبق والخبير الاقتصادي، جواد العناني لـ"عربي21": "تخفض الدول عادة سعر المحروقات في موعد محدد وليس عند انخفاض سعر النفط لأنه قد يعود ويرتفع مرة أخرى، لذلك هي تقوم بأخذ معدل الشهر وتخفض بآخره وليس بمنتصفه أو أوله".
وأوضح: "أيضا إذا تم خفض السعر بنسب توازي نسبة انخفاض النفط تنخفض مداخيل الدولة، لذلك تقوم بعض الحكومات مثلا كالأردن بإضافة مبلغ ثابت كضريبة على الأسعار، بالتالي بغض النظر عن سعر النفط تكون نسبة خفض سعر المحروقات أقل، أيضا هناك دول اشترت بسعر معين فهي بالتالي لا تستطيع خفض السعر فور انخفاض أسعار النفط".
سياسة الدولة
بدورها قالت الخبيرة في اقتصاد الطاقة كارول نخلة لـ"عربي21": "ليس فقط سعر النفط ما يحدد أسعار المحروقات، هناك أيضا عوامل أخرى منها سياسة الدولة نفسها، فمثلا بعض الدول تدعم المحروقات بشكل عال كدول الخليج، لكن هناك مطالبات بخفض هذا الدعم كي يخفض المواطن استهلاكه وبالتالي خفض هدر الطاقة".
وأضافت: "بالمقابل، فإن الدول الأخرى أيضا تفرض ضريبة عالية لرفد ميزانيتها، ولدفع المواطن لتقنين استهلاكه للمحروقات لنفس السبب وهو خفض هدر الطاقة".