مكث ربيع إبراهيم أسبوعاً كاملاً يبحث عن أقنعة وقائية “كمامات”، وأدوات تعقيم، في مدينة تعز، لتستقر به رحلة البحث في محافظة إب (وسط اليمن)، وهناك حصل على كميات قليلة من احتياجاته التي فرضتها الحملة الوقائية.
ويتطلب عمل ربيع في أحد القطاعات الخاصة، توفير هذه المستلزمات بأي شكل من الأشكال.
“دفعت ثلاثة أضعاف السعر الفعلي للأقنعة وأدوات التعقيم، إضافة إلى تحمّل كلفة المواصلات من إب إلى تعز، شعرت كأني أدخل بضاعة محرّمة من دولة إلى أخرى. هذا مؤلم للغاية، ويشعرني بأننا نعيش أزمة مصطنعة يفتعلها بعض التجار من أجل الاستفادة من موجة كورونا، ككل أزمة سابقة”، يقول ربيع.
ربيع واحد من ملايين اليمنيين الذين عاشوا مسار البحث ذاته، قبل أن يبدأ خياطون محليون بحياكة أقنعة قماشية لتغطية العجز الحاصل، وبمواصفات غير متطابقة مع المعايير اللازمة للوقاية من الفيروس.
ورغم عدم تسجيل أية إصابة بفيروس كورونا في اليمن، إلا أن الإجراءات الحكومية الوقائية في الجانبين، تبقى حبراً على ورق، مع فارق التجهيز بين صنعاء وعدن، بسبب تواجد المنظمات الدولية في العاصمة صنعاء، غير أن نسبة الالتزام الشعبي تبقى متدنية، في بلد يواجه كل ظروف الحرب منذ 5 سنوات، ويصارع غالبية أبنائه من أجل الحصول على لقمة عيشهم بشكل يومي.
وقال الدكتور علي الوليدي، الناطق الرسمي للجنة الوطنية العليا للطوارئ لـ” المشاهد” : “منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عن انتشار وباء فيروس كورونا، اتخذت الحكومة اليمنية مجموعة من التدابير والإجراءات الاحترازية لمواجهة الفيروس، أبرزها: تشكيل لجنة وطنية عليا للطوارئ برئاسة نائب رئيس الوزراء، لمواجهة وباء كورونا المستجد، وتعليق الرحلات الجوية باستثناء الرحلات لأغراض إنسانية، وإغلاق المنافذ البرية باستثناء حركة الشحن التجاري والإغاثي والإنساني، إضافة للعديد من الإجراءات الميدانية على مستوى تأهيل وتدريب الكوادر الطبية، وتجهيز بعض المراكز التي تم إقرارها للعزل الصحي في حال حدوث طارئ”.
وافتتحت حكومة الحوثيين خط إنتاج جديداً في المصنع الوطني للأدوية، لصناعة مستحضرات التعقيم والتطهير، وفتح مصنع الغزل والنسيج لإنتاج الكمامات والملابس الطبية، وتشكيل لجنة عليا لمواجهة الأوبئة.
وفي تطور يظهر حقيقة الأزمة القائمة في البلاد بخصوص الأقنعة الوقائية ومستلزمات التعقيم، ضبط مدير عام مديرية المعلا فهد المشبق، على دفعتين، 90 ألف كمامة كانت في طريقها إلى الصين وتركيا. وقال المشبق، في تصريح مصور: “ضبطنا كمية من الكمامات المشحونة عبر شركة DHL للشحن الجوي، كانت في طريقها لخارج البلاد”.
وبحسب إعلام المديرية، فقد كان من المقرر تصدير الشحنتين المقدرتين بأكثر من 90 ألف كمامة، للخارج بعد وصولها من صنعاء، حيث اشتراها تاجرٌ من الأسواق المحلية للمتاجرة بها، مستغلاً الهلع العالمي المترافق مع انتشار فيروس كورونا.
وأكد المشبق أنه قام بدفع ثمن الكمامات وفق سعرها الطبيعي في السوق، على أن تُسلم لمكتب الصحة في المديرية، ويُباشر توزيعها على المواطنين فيها.
يأتي ذلك في ظل حملة ممنهجة يقوم بها نافذون في القطاع الصحي من أجل سحب الكمامات والمعقمات، وبأسعار مغرية، لأجل بيعها لمنظمات دولية، وتصديرها للخارج، وبالعملة الصعبة، وهو ما يُظهر جشعاً غير مسبوق للاستفادة من حالة الهلع التي صنعها “كورونا”.
وقال عزام النجار، مؤسس حملة شباب عدن للتوعية ضد كورونا: “الأمر خرج عن السيطرة، وعدن كبقية محافظات الجمهورية، تعيش على وقع الترقب بفعل حالة الهلع المصطنعة، مما هيأ الوضع لبعض التجار والمحتكرين لضرب ضربتهم بهذا الشكل، وهذا يعبّر عن فداحة التفكير من قبلهم في التعامل مع الأزمة كفرصة يجب استغلالها”.
منذ بداية انتشار وباء فيروس كورونا، شهدت الصيدليات ومخازن المستلزمات الطبية في المحافظات والعاصمة المؤقتة عدن، تجريفاً للكمامات والمعقمات المستخدمة للوقاية من الوباء، وذلك من قبل تجار ونافذين في قطاع الأدوية والصيدليات، مما أدى لارتفاع أسعارها بنسب تراوحت ما بين 200 و400%.
ويرى محمد الكثيري، ناشط مجتمعي في حضرموت، أن هناك من يتلذذ بمعاناة اليمنيين، ويعمل على تجيير الأزمة لصالحه من أجل تحقيق مكاسب مادية، ولا يعنيه ما قد يترتب على ذلك بالنسبة للناس الذين يبحثون عن أي شيء متوفر كي يقوا أنفسهم من احتمالية الإصابة بالوباء.
ويلاحظ الكثيري أن حضرموت ليست في وضع أحسن من قريناتها الأخرى في البلاد، إذ نفدت الكميات اللازمة للكمامات منذ البداية، سواء بشرائها من قبل نافذين، أو حتى بإخفائها حتى يتم بيعها بأسعار مضاعفة في وقت لاحق، وهو ما يؤكد حالة الجشع والاستغلال التي يجيدها بعض التجار المنتهزين في مثل هكذا أزمات، مستغلين ضعف السلطات في ظل الوضع الذي نعيشه، حسب قوله.
تجدر الإشارة إلى أن نافذين في قطاع الصيدليات والمواد الطبية قد شرعوا قبل أكثر من شهر بتجريف السوق المحلية ومخازن الشركات الطبية من المواد الطبية الوقائية من وباء كورونا، وشرائها بأسعار منافسة بهدف تصديرها للخارج وتوريدها للمنظمات الدولية، من أجل تحقيق مردود مالي ضخم، انتهازاً لموجة وباء كورونا التي تجتاح العالم.
وانتهز تجار جدد تحت مسميات عدة، الفرصة لإنتاج كمامات وقائية بمعايير لا ترقى للمستوى المطلوب، وفق الاحتياطات الواجب اتخاذها، إذ تتم خياطتها في معامل محلية بجهود ذاتية، بغية تحقيق الأرباح، وتُباع هذه الكمامات بمبالغ مهولة، دون أن تخضع للرقابة من قبل مختصين، ولا يقوم منتجوها بمراعاة الوضع القائم، بل يزيدونه تعقيداً.
وتساءل الناشط الإعلامي نشوان صادق، في معرض رده على منشور لأحد مروجي الكمامات عبر الإنترنت، والذي عرض سعر الكمامة الواحدة بـ800 ريال، قائلاً بنبرة استهجان: “هل هذه أخلاقنا؟ نستغل الوضع الراهن بهذه الطريقة!”.
وأضاف: “تسعير غير منطقي لمنتج يخص مكافحة وباء، لو كان المنتج عادي، سهل.. هل رسالتنا وديننا يقولوا لنا نشتغل بهذه الطريقة؟”.
ويعيش اليمنيون على وقع ترقّب دائم في ظل حصد “كورونا” مزيداً من الضحايا على مستوى الإصابة، دون أدنى متطلبات المواجهة معه من حيث مراكز العزل، والاحتياجات الضرورية للوقاية، وضعف الالتزام بتوجيهات السلطات، الرامية لتخفيف الازدحام، والحد من أي ظروف ملائمة للإصابة بالوباء وانتشاره.
المصدر: المشاهد