تحمل الاقتصاد اليمني فاتورة باهظة وتكبد خسائر كبيرة نتيجة انقلاب جماعة المتمردين الحوثيين على السلطة الشرعية وسيطرتها على الإيرادات العامة، ويرقد اقتصاد اليمن في غرفة الإنعاش منذ مطلع عام 2015، معتمداً على الدعم الإقليمي والدولي والمساعدات التي يعتبرها الخبراء بمثابة أجهزة التنفس تبقيه حياً.
بين الحياة والموت، يبدو اقتصاد اليمن عجوزاً في التسعين من عمره، يعاني من أزمات وأمراض مزمنة ولم يعد لديه القدرة على تحمل ضربة جديدة، ولا يستطيع مواجهة أزمة فيروس كورونا الذي أصاب اقتصاديات الدول الكبرى وسيجرده من أجهزة التنفس.
وكشف فريق الإصلاحات الاقتصادية، 6 ابريل الجاري، عن التداعيات السلبية التي أصابت الاقتصاد اليمني جراء تفشي فيروس كورونا في العالم (COVID19)، أبرزها نقص المخزون السلعي والتمويني وتراجع تحويلات المغتربين اليمنيين في الخارج والخسائر في القطاع السياحي والخدمات المرتبطة به.
وطالب الفريق، في تقرير اطلع عليه "المصدر اونلاين"، بتشكيل كيان موحد لإدارة الأزمة من قبل عدن وصنعاء وبحيث يكون الفريق مخولاً باتخاذ قرارات حاسمة والعمل بصورة مشتركة على الحد من تداعيات الوباء على الشعب اليمني وتجنيبه الكارثة، مؤكدا أهمية الوقف الفوري لكافة العمليات العسكرية في كل الجبهات دون قيد أو شرط وبحيث تتضافر جهود كل اليمنيين في التصدي لهذا الوباء الخطير والعمل وفق آلية موحدة والتنسيق مع المنظمات الدولية والقطاع الخاص.
وأوضح التقرير، أن فيروس كورونا أصاب الاقتصاد العالمي بحالة من الشلل التام، مؤكدا أن البلدان التي تعتمد على الاستيراد مثل اليمن ستكون الأكثر تضررا، وستتأثر بانخفاض المخزون السلعي والتمويني وتراجع الواردات. وفقا لببانات وحدة المراقبة التابعة للأمم المتحدة على سفن السلع الى ليمن UNVIM، فإن هناك انخفاض ملحوظ في واردات اليمن من السلع والمشتقات النفطية منذ شهر فبراير الماضي، حيث تراجع حجم واردات السلع الى ميناء الحديدة بنحو 71000 طن، عن الكمية المستوردة خلال ديسمبر 2019، وتراجعت كمية المشتقات النفطية بمقدار 54000 طن.
وسوف يتسبب تراجع أسعار النفط الخام عالمياً في أزمة مالية ستواجه الحكومة اليمنية نتيجة تراجع عائداتها من النفط بالعملة الصعبة وسيؤدي هذا بدوره الى ارتفاع العجز في الموازنة العامة وإلى تقليص الإنفاق على الخدمات وقد تصل إلى مرحلة العجز عن دفع الرواتب.
ولا زال اليمن من بين بلدان قليلة لم يصلها وباء كورونا، لكن الاقتصاد اليمني سيدفع ثمناً باهظاً بغض النظر عن تفشي الوباء في اليمن من عدمه، وسيتضرر بصورة بالغة في حال توقفت برامج ومساعدات المانحين على خلفية أزمة كورونا والركود الاقتصادي العالمي، سينتج عن ذلك تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع في نسبة الفقر. ويعتمد اقتصاد اليمن على المعونات والدعم الدولي بشكل كبير، والتي تعد بمثابة أجهزة التنفس تبقيه حياً وفقاً للخبراء الدوليين، وتتوزع بين مشاريع الطوارئ وتوزيع الإغاثة للمحتاجين وتغطية تكاليف النظافة والمياه والصرف الصحي في المدن الرئيسية.
ولوحت الأمم المتحدة، قبل يومين، باعتزامها إغلاق 31 برنامجاً إنسانياً من أصل 41 من برامجها الرئيسية في اليمن بسبب عجز في التمويل، مما سيجعل نصف سكان البلاد فريسة للجوع وسيفاقم معاناتهم.
ولن تقف أضرار كورونا عند ذلك، إذ من المتوقع أن يتأثر اقتصاد اليمن بأزمات الاقتصاد السعودي على خلفية الفيروس الذي عطل مظاهر الحياة وحركة الاقتصاد. ويرجح خبراء أن تقلص السعودية دعمها المالي لليمن وأن تمتنع عن تقديم وديعة نقدية جديدة بعد نفاد الوديعة الحالية المقدرة بملياري دولار، وسينتج عن ذلك انخفاض قيمة الريال في السوق خلال الأشهر المقبلة وارتفاع تكلفة الواردات وبالتالي الأسعار.
في السياق، سوف تنعكس أزمة الاقتصاد السعودي على وضع العمالة اليمنية في المملكة، آلاف سيخسرون أعمالهم وسيؤدي ذلك إلى تراجع التحويلات المالية التي تعد أمل اليمنيين الأخير وأهم مورد اقتصادي في ظل الحرب التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من خمسة أعوام بالإضافة إلى توقف الإيرادات النفطية والرسوم الجمركية والضريبية. وحذر مسؤول حكومي، من وضع مأساوي للاقتصاد اليمني نتيجة تداعيات أزمة كورونا، وقال أحمد غالب رئيس اللجنة الحكومية لمكافحة غسل الأموال: "نحن مقدمون على كارثه مأساويه ومجاعة حقيقية حتى لو لم يصل إلينا الفيروس".
وقال غالب، في منشور على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية العالمية والهبوط الحاد في أسعار النفط بسبب حرب الأسعار، لا يلوح في الأفق على المدى القريب أن هناك أمل في قيام السعودية بتجديد الوديعة النقدية وعدم التجديد ستكون آثاره كارثية ومدمرة".
وأكد غالب أن الوديعة السعودية على وشك النفاد، مشيراً إلى أنها كانت تغطي تمويل استيراد المواد الأساسية بمكونها الأجنبي الذي يباع للمستوردين بأسعار تفضيلية وأنه بمقابل ذلك المكون من العملة الوطنية يتم تغطية جزء كبير من المرتبات. وتقود السعودية تحالفاً عسكرياً منذ مارس 2015، لدعم السلطة الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي ضد جماعة المتمردين الحوثيين التي نفذت انقلاباً على الشرعية، وقدمت، مطلع 2019، وديعة نقدية بمبلغ ملياري دولار ساهمت في حماية العملة اليمنية من الإنهيار.
ويرسم خبراء الاقتصاد صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في اليمن في حال تفشي فيروس كورونا في البلد الذي يعد من أفقر بلدان المنطقة ويشهد حرباً مستمرة منذ خمس سنوات، دفعت الاقتصاد المتداعي أصلاً إلى حافة الهاوية. ويؤكد رئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي مصطفى نصر على أن الاقتصاد اليمني سيتأثر بأزمة فيروس كورونا، بشكل أو بآخر، مطالبا الجهات المعنية بوضع حزمة سياسية لمواجهة التداعيات الاقتصادية للوباء على اليمن.
وقال نصر لـ"المصدر اونلاين": "مواجهة تداعيات كورونا تستدعي وقفاً فورياً للقتال وتوحيد المؤسسات الاقتصادية المنقسمة والعمل ضمن فريق واحد مشترك بين صنعاء وعدن". وأكد نصر على ضرورة صرف رواتب الموظفين ورصد مبالغ لمساعدة الشركات الصغيرة التي ستتأثر بفعل أزمة كورونا وأيضا الموظفين الذي سيضطرون للبقاء فترة طويلة في الحجر المنزلي". ويعصف فيروس كورونا باقتصادات العالم، وقالت رئيسة صندوق النقد، 29 مارس، أن فيروس كورونا أدخل العالم في حالة ركود أسوأ من 2009.
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تترك أزمة كورونا آثاراً مدمرة على ملايين اليمنيين من الباعة أو الذين يعتمدون على الدخل اليومي، مما سيعني تهديداً خطيراً لعائلاتهم بالموت جوعاً في حال تفشي الوباء وتعطل مظاهر الحياة. ويعاني الاقتصاد اليمني بسبب الحرب التي دخلت عامها السادس، وكشف تقرير حكومي يمني حديث أن انقلاب ميليشيات الحوثي وتداعياته، ألحق بالاقتصاد اليمني خسائر قدرت بـ54.7 مليار دولار حتى نهاية عام 2018. وقال التقرير الصادر عن "الجهاز المركزي للإحصاء" إن "إجمالي خسائر اليمن في انخفاض الناتج القومي يتجاوز 54.7 مليار دولار خلال الأربعة أعوام من 2015 إلى 2018 مقارنةً بسنة الأساس العام 2014".
نقلا عن"المصدر أونلاين"