معقد.. كيف سيكون حال اليمن مع كورونا؟
الأحد 12 ابريل 2020 الساعة 12:18
تعز أونلاين- القدس العربي

أُعلن، مؤخراً، في اليمن اكتشاف أول إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في محافظة حضرموت (شرق) لوافد أجنبي قادم من إحدى دول الجوار. وجاء الإعلان في الساعات الأولى من تنفيذ التحالف الهدنة المؤقتة منتصف ليل الخميس، والتي سبق وأعلن عنها الأربعاء استجابة لدعوة أممية لتهيئة البلاد لمواجهة الجائحة.

 

والسؤال: ماذا سيكون عليه الحال في اليمن عند الإعلان عن الإصابات الأولى؟ من المرجح أن الإعلان عن الإصابات الأولى لن يكون إلا وقد صارت الإصابات في الواقع أكبر بكثير من المعلن عنه؛ لأن البلد مُقسّم إلى مناطق نفوذ متعددة ومحكوم بحكومتين؛ علاوة على أن ما سيتم الإعلان عنه، في حال ثبوت صحته، سيكون متعلقاً بما تم فحصه في مراكز الخدمات الصحية القادرة على الفحص المخبري، وهي محدودة ولا تتوفر في جميع المناطق، في ظل عجز فرق الترصد المحلية عن الانتشار في عموم البلاد لتتبع الحالات ومحاصرة الوباء ومعرفة واقع الإصابة، كما أن هناك مناطق واسعة ما زالت مسرحاً لعمليات عسكرية في شرق وغرب وشمال البلاد.

 

إن تعدد مناطق النفوذ داخل البلد قد جعل من كل سلطة تفرض إجراءات احترازية مستقلة بما فيها إغلاق مناطقها أمام القادمين من المناطق الأخرى، مع رفض سلطات الطرفين تنفيذ برامج مشتركة في مواجهة الجائحة، وهو ما تفقد معه إجراءات كل طرف بعض فاعليتها. ونتيجة لذلك يتواجد أعداد كبيرة من الخاضعين افتراضاً للعزل الصحي على المنافذ الداخلية في ظل عدم توفر إمكانات العزل الصحي المناسبة في المنافذ، فيما بقيت بعض المنافذ مفتوحة لأسباب غير معروفة ما يجعل من الطبيعي انتقال الوباء، لاسيما أن بعض المعزولين في المنافذ الداخلية قد يلجأ للدخول لمنطقته عبر مسارات بعيدة عن عيون السلطات.

 

لقد اتخذت السلطات القائمة عدداً من الإجراءات الاحترازية والتوعوية منذ أسابيع، في مقدمتها إغلاق المنافذ وتعليق التعليم في المدارس والمعاهد والجامعات وتقليل عدد الموظفين في مؤسسات الدولة وإغلاق صالات الأعراس والكوافير وغيرها، وتحديد مراكز الحجر والمستشفيات المخصصة لاستقبال الإصابات في المدن، ليبقى السؤال عن امكانات مواجهة الوباء في حال انتشاره.

 

ويلات الحرب

 

تسببت الحرب المستعرة في البلاد في تعطيل العمل في نصف المرافق الصحية وبالتالي فإن النصف المتبقي، من النظام الصحي المنهار، قد لا تتجاوز مجمل طاقته الاستيعابية، في حال تم تخصيصه كلياً للمصابين بهذا الوباء، خمسة آلاف مصاب على صعيد عدد الأسرّة ومعدات التنفس الاصطناعي وفق أحد المصادر، لكن من الصعب تخصيص الأسرة والأجهزة المتوفرة كليا للمصابين بالوباء، إذ أن هناك الكثير من حالات الأمراض الأخرى على أسرة العناية المركزة وغيرها في عموم البلاد، بل أن جميع الأسرة المتوفرة وأجهزة التنفس لا تكفي لتلبية حاجات المرضى في الظروف العادية، وبالتالي في حال تفشى الوباء فإن معظم المصابين لن يستطيعوا الحصول على خدمات عناية ملائمة في المستشفيات والمراكز، ما قد يجعلهم عُرضة للموت في منازلهم، بل أن كثيرا من المصابين، وخاصة في المناطق البعيدة عن المدن ضمن جغرافية يمنية وعرة، لن يستطيعوا الوصول للخدمات الصحية.

 

انطلاقاً مما سبق يُرجّح ارتفاع في عدد الوفيات سيشهده اليمن في حال تفشى الوباء، كما أن جثث الوفيات ستمثل تهديداً إضافياً، لأن المتوفي خارج المستشفى سيحظى تقليدياً بتغسيل وتكفين ودفن ما سيتسبب في إصابة آخرين؛ وهنا قد يشهد البلد تصاعداً في نسب الإصابات بموازاة نسب الوفيات. فيما الأرقام التي سيتم الإعلان عنها ستقتصر على الحالات في المستشفيات والمراكز المخصصة للوباء.

 

وقبل ذلك وبعده فإن اليمن دولة عربية، وهذه الدول ما زال لديها (فوبيا) من الأرقام الحقيقية خلال الأزمات، علاوة على نقطة هامة، فالمواطن اليمنيّ ربما صار أكثر العرب لامبالاة تجاه هذا الوباء وهو أمر قد يعود إلى ما تجرّعه اليمنيون وما زالوا يتجرعونه من ويلات الحرب والحصار المفروضين على بلدهم، وما صاحبهما من تفشٍ لعددٍ من الأوبئة ما تزال تحصد الأرواح هناك كالكوليرا والدفتيريا وحمى الضنك والملاريا والتيفوئيد وغيرها، إضافة إلى ما يعانونه من ظروف معيشية صعبة مع توقف معظم قطاعات العمل والإنتاج ورفض الحكومة في عدن صرف مرتبات معظم موظفي الدولة منذ أربع سنوات، وبالتالي فإن معظم اليمنيين صاروا يعتمدون في معيشتهم على الدخل اليومي من الأشغال الحرة.

 

وهنا فكثير من اليمنيين يرفضون فكرة البقاء في منازلهم احترازًا من الإصابة بالوباء، بل يعتبرون أن مكوثهم في البيوت بدعوى العزل الصحي بدون مرتبات سيتسبب في موتهم من الجوع قبل موتهم من الوباء. وانطلاقاً مما سبق تنتشر كثير من النكات ذات العلاقة بالوباء تنفسياً يمنياً كالمعتاد عن هذا الواقع، كما ترتفع كثير من الأصوات اليمنيّة في مواقع التواصل الاجتماعي تطالب حكومتي عدن وصنعاء بصرف مرتبات الموظفين المنقطعة ودعم أوضاعهم المعيشية، على الأقل تقديراً لظروف الوباء والمعاناة الناجمة عنه قبل مطالبتهم بالبقاء في منازلهم، بل هناك أصوات أخرى تصدّرها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، طالبوا أطراف الصراع بإيقاف العمليات العسكرية والالتفات لمواجهة الوباء.

 

وتشير التقديرات الأممية إلى أن أكثر من 233 ألف يمني لقوا مصرعهم نتيجة القتال والأزمة الإنسانية. في غضون ذلك، وثقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قتل وجرح أكثر من 200 ألف مدني في القتال منذ آذار/مارس 2015. وقد اشتدت أزمة إنسانية من صنع الإنسان مع ما يقرب من 16 مليون شخص يستيقظون جوعى كل يوم، وفق تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية.


متعلقات