أضحت العواقب الناجمة عن إجراءات مواجهة انتشار فيروس كورونا في اليمن، خاصة حظر التجول الذي بدأ يحل في محافظة حضرموت جنوب شرق البلاد، مصدر فزع للكثيرين، الذين يتخوفون من الموت جوعاً وليس بسبب الوباء، حيث تركتهم الحرب المستعرة من دون مدخرات أو مؤن.
يقول منقذ الحكيمي، موظف في وزارة الصحة العامة والسكان، إن "مواجهة كورونا في ظل هذا الوضع المعيشي المتردي وانعدام الدخل وتوقف المرتبات والأعمال سيكون كارثياً علينا وسيدفعنا نحو الموت جوعاً في بيوتنا قبل أن نموت بكورونا".
ويضيف الحكيمي لـ"العربي الجديد" أن أغلب الموظفين يعيشون أوضاعاً صعبة نتيجة توقف رواتبهم، وصرف آخر شهرين نهاية 2019 للموظفين المدرجين تحت بند النازحين، مشروطة باستلامها من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، مع أن الموظفين لا يستطيعون القيام بهذه الرحلة لاستلامها في ظل الأوضاع الراهنة.
وأدى الصراع الأخير على العملة المطبوعة بين الحكومة اليمنية والحوثيين إلى إيقاف الحكومة رواتب سبع جهات عامة تعمل في مناطق سيطرة الحوثيين من بينها وزارة الصحة.
وتشترط الحكومة لإعادة صرف رواتب الجهات السبع، تراجع الحوثيين عن قرار منع ومصادرة العملة المطبوعة الجديدة، وهو ما ترفضه اللجنة الاقتصادية التابعة للحوثيين.
وأضحت إجراءات مواجهة كورونا، في البلد الذي تتخطى نسبة الفقراء فيه 70 في المائة، أكثر إيلاما للعاملين بأجر يومي ويمثلون أغلب اليمنيين، حيث يؤكد حامد شرف من سكان عدن (جنوب)، عدم قدرته مثل الكثيرين على مواجهة أي قرارات تتعلق بمواجهة الوباء مثل حظر التجول، إذ يعتمد على دخل يومي يجنيه من ورشة ميكانيكية، مشيرا إلى أن ما يجنيه ينفقه على الاحتياجات اليومية الطارئة، الأمر الذي جعله غير قادر على توفير أي مدخرات مالية خلال الفترة الماضية.
وأعلنت اللجنة العليا للطوارئ في اليمن، يوم الجمعة الماضي، رصد أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في محافظة حضرموت، (جنوب شرق)، ليتم فرض حظر كامل على مدينة الشحر الساحلية التي جرى اكتشاف الحالة فيها، بينما كانت المحافظة قد شهدت من قبل حظر تجول جزئي.
كما أعلنت السلطة المحلية في عدن، في وقت متأخر من مساء الجمعة، إغلاق جميع المنافذ البرية المؤدية إليها، كإجراء احترازي لمواجهة تفشي الفيروس.
ويقول محمد الحسني من سكان حضرموت، إنه يخشى حظر تجول شامل، حيث لا يكفي ما لديه من مدخرات سوى أيام معدودة. ووفق رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال، أحمد غالب، إن كل المعالجات التي اتبعتها الدول لمواجهة كورونا لن تكون ممكنة في اليمن، فمعظم الشعب يعتمد على الدخل اليومي أو المرتب وفقًا للمتاح من الموارد، وأي توقف يعني الموت جوعاً لأن معظم السكان استنفدوا كل ما يملكون لمواجهة احتياجاتهم الضرورية خلال سنوات الحرب ولم يعد لديهم أي فائض.
ويشير غالب، الذي شغل مناصب اقتصادية سابقة في الحكومة، إلى أن الأمر لا يقتصر على الأفراد فحسب بل يطاول الحكومة أيضا، لافتا إلى أن الحكومة عاجزة عن الوفاء بالتزامات كبيرة منها دفع الرواتب، ما يجعل الموظفين المدنيين والعسكريين ينتظرون أشهر عدة لنيل مرتب واحد، ناهيك عن الافتقار للنفقات التشغيلية للمرافق الأساسية، كما أن الوديعة السعودية التي كانت تغطي تمويل استيراد المواد الأساسية، أوشكت على النفاد.
ويتوقع الباحث الاقتصادي، مراد منصور، توقف كلي لتحويلات المغتربين، ما يفاقم من الصعوبات المعيشية للسكان، مشيرا إلى أن ما تشهده موارد البلدان المستقبلة للعمالة اليمنية خاصة في الخليج يؤدي إلى توقف الكثير من المشروعات وبالتالي الاستغناء عن شرائح من العمالة.
وتقدر تقارير رسمية تحويلات المغتربين اليمنيين بنحو 4 مليارات دولار في العام، وهو مبلغ ليس بالقليل وله دور كبير في تلافي انهيار الأسر اليمنية نحو كارثة المجاعة الشاملة، وفق منصور، الذي أشار إلى ضرورة أن تشمل معالجات الدول آثار وتبعات الأزمة الراهنة للعمال اليمنيين المغتربين، خصوصاً السعودية التي تحتضن العدد الأكبر منهم.
ويأمل اليمنيون أن يصغي الفرقاء وأطراف الصراع إلى صوت العقل ونذر الكارثة ويبادروا للاتفاق على صيغة ولو مؤقتة، لتوحيد الجهود وتعبئة الموارد وتوجيهها نحو التخفيف من آثار كارثتي الجوع وفيروس كورونا لإنقاذ الإنسان اليمني المنهك.
ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء ياسين القاضي: "هذه المرحلة فارقة تحتم اتفاق الفرقاء على تحييد الاقتصاد ومرتبات وأعمال الناس عن الصراع الدائر، مشيرا إلى أنه في ظل الصراع، لن يكون بمقدور الدول والمنظمات الأممية إيجاد منظومة عمل فاعلة في توجيه المساعدات وحشد الموارد بصورة فاعلة على أرض الواقع، إضافة إلى تضييق الإجراءات المتعلقة بالاستيراد وتوفير الاحتياجات المحلية من مختلف السلع الغذائية والاستهلاكية.
المصدر: العربي الجيد