الحكومة.. خيارات محدودة لتغطية احتياجات اليمن من الغذاء
الأحد 19 ابريل 2020 الساعة 16:38
تعز أونلاين- وفيق صالح

مأزق صعب، تعيشه الحكومة اليمنية، يجعلها أمام مفترق طرق، في ظل تعقد الوضع الاقتصادي في البلاد، وعدم قدرتها على لملمة كافة الموارد وتغطية احتياجات البلاد الأساسية، فبينما ظلت بلادنا تعاني طيلة السنوات الماضية من تدهور الوضع الاقتصادي ودخوله في مرحلة الانهيار، يصحو العالم على جائحة كورونا التي تسببت بدخول اقتصادات العالم في مرحلة الركود الاقتصادي، الأمر الذي سيكون لها مآلاته الكارثية على الوضع المعيشي والاقتصادي في البلاد، كون بلادنا تستورد معظم احتياجاتها من الغذاء والسلع، من الأسواق الخارجية.
يتزامن هذا الركود الذي يضرب اقتصادات العالم، مع قرب نفاد الوديعة السعودية في البنك المركزي اليمني في عدن، والمقدرة بملياري دولار، وهو ما يستلزم تحركاً حكومياً عاجلاً لتكوين احتياطي أجنبي في البنك، لضمان استمرار تمويل استيراد السلع الرئيسية، والاعتمادات المستندية للتجار، بحسب ما يراه خبراء.
وتشير تقديرات اقتصادية، إلى أن البنك المركزي بحاجة ماسة لاحتياطي كبير من العملة الصعبة، لضمان استمراره بتمويل استيراد السلع الأساسية بأسعار تفضيلية، وهذا لا يأتي إلا عبر سيطرة الحكومة على كافة موارد البلاد، وسرعة استئناف تشغيل وإنتاج كافة مواردها، ومحاربة الفساد المستشري في أجهزة الحكومة، بالإضافة إلى الاحتياجات الملحة، في الوقت الراهن، وهي وديعة مالية جديدة لدى البنك المركزي، لاستمرار انسيابية دخول كافة السلع والمواد الغذائية إلى البلاد.

مأزق كبير للحكومة

ويري الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، أن الحكومة أمام مأزق كبير للغاية مع قرب نفاد الوديعة السعودية، وهو ما يجعلها بحاجة إلى وديعة مالية جديدة أو دعم مالي مباشر لاستمرار تمويل استيراد السلع الأساسية، لاسيما مع انخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسية، تجاوز الـ60%.

مصطفي نصر : في الوقت الراهن لم يتضح بعد، ما إذا كان هناك وعود بوديعة مالية جديدة، و تعقد الوضع بهذه الصورة، يضع الحكومة أمام مأزق حقيقي في ما يتعلق باستمرار دفع الرواتب وغيرها من الخدمات الأساسية.


ويقول نصر، في حديثه لـ”المشاهد”، إن انخفاض أسعار النفط عالمياً يؤثر بصورة مباشرة على مقدار النقد الأجنبي، الذي تمتلكه الحكومة، مؤكداً أنها بحاجة الآن إلى دعم مالي مباشر.
ويضيف أنه حتى الوقت الراهن لم يتضح بعد، ما إذا كان هناك وعود بوديعة مالية جديدة، معتبراً أن تعقد الوضع بهذه الصورة، يضع الحكومة أمام مأزق حقيقي في ما يتعلق باستمرار دفع الرواتب وغيرها من الخدمات الأساسية.

تجديد الوديعة السعودية

مصدر في الغرفة التجارية والصناعية في العاصمة المؤقتة عدن فضل عدم ذكر اسمه ، كشف لـ”المشاهد” عن حجم المبلغ المتبقي من الوديعة السعودية في البنك المركزي، مشيراً إلى أن ما تبقى من الوديعة المالية لا يتجاوز 150 مليون دولار، وهو لا يكفي لتأمين استيراد بعض البضائع الأساسية والسلع الغذائية.

مصدر في الغرفة التجارية بعدن : ما تبقى من الوديعة المالية لا يتجاوز 150 مليون دولار، وهو لا يكفي لتأمين استيراد بعض البضائع الأساسية والسلع الغذائية.


وعبّر المصدر عن مخاوف القطاع الخاص، من زيادة الطلب على السلع والمواد الغذائية وارتفاع الأسعار، لاسيما مع قرب شهر رمضان المبارك.
وفي وقت سابق، طالب رئيس الغرفة التجارية والصناعية في عدن، أبو بكر باعبيد، المملكة العربية السعودية، بضخ وديعة مالية جديدة في البنك المركزي، من أجل الحفاظ على استقرار أسعار الصرف، وضمان استمرار تمويل استيراد السلع.
وقال رجال أعمال، في تصريحات سابقة لـ”المشاهد”، إن أهم ضامن للبنك المركزي في استمرار تمويل استيراد السلع الأساسية، هو استعادة كافة موارد الدولة وضمان توريدها إلى البنك، مثل إيرادات النفط والغاز والجمارك والضرائب، وغيرها من الإيرادات الرسمية.
وحذروا من توقف الاعتمادات المستندية من قبل البنك المركزي في عدن، مشيرين إلى أن ذلك سيؤدي إلى اضطراب في الأسواق التموينية، ونقص في المواد الغذائية، وارتفاع لأسعار السلع الأساسية.

آثار كارثية

وكان عضو اللجنة الاقتصادية أحمد أحمد غالب، حذر في منشور بصفحته بالفيس بوك من كارثية الأوضاع الاقتصادية، في ظل انقسام المؤسسات، وتضارب السياسات، وضياع الموارد، ودخول اقتصادات العالم في مرحلة ركود تضخمي.
وأشار غالب إلى أنه في ظل بقاء الوضع على ما هو عليه دون تحرك، فالبلاد قادمة على كارثه مأساوية ومجاعة حقيقية حتى لو لم يصل إلينا فيروس كورونا.

عضو اللجنة الاقتصادية أحمد غالب : الأوضاع الاقتصادية العالمية والهبوط الحاد في أسعار النفط بسبب حرب الأسعار، لا يبدو في الأفق على المدى القريب أن هناك إمكانية لتجديد الوديعة السعودية، مستطرداً أن عدم التجديد ستكون آثاره كارثية ومدمرة.


وقال إن الوديعة السعودية، على وشك النفاد، والتي كانت تغطي تمويل استيراد المواد الأساسية بمكونها الأجنبي الذي يباع للمستوردين بأسعار تفضيلية، وبمقابل ذلك المكون من العملة الوطنية يتم تغطية جزء كبير من المرتبات للموظفين.
وأضاف أنه بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية العالمية والهبوط الحاد في أسعار النفط بسبب حرب الأسعار، لا يبدو في الأفق على المدى القريب أن هناك إمكانية لتجديد الوديعة السعودية، مستطرداً أن عدم التجديد ستكون آثاره كارثية ومدمرة.

خيارات محدودة

الباحث الاقتصادي نشوان عبدالباقي، أكد لـ”المشاهد”، أن الوديعة السعودية ساعدت طيلة العامين الماضيين، في تأمين استيراد السلع الأساسية في البلاد من “القمح، الأرز، السكر، حليب الأطفال وزيت الطعام”، ومنعت من انحدار الأسواق للوصول إلى مرحلة الفوضى والمجاعة الحقيقية، وحققت نوعاً من الطمأنينة لدى المواطن.
وأشار عبدالباقي إلى أن الوديعة عملت على تحقيق استقرار، ولو نسبي، للاقتصاد والعملة اليمنية خلال عامي 2018 و2019.
واعتبر أن نفاد الوديعة السعودية في هذا الظرف الصعب، وانشغال الدول الداعمة والجهات المانحة بوباء كورونا المستجد، وانكفاء كل دولة على مشاكلها الاقتصادية الداخلية التي تسبب بها الوباء، يضع السلطات النقدية في البلاد، في موقف صعب، ويحتم عليها التحرك الجاد والعاجل، وذلك لإيجاد حلول حقيقية لضمان استمرار استيراد السلع الأساسية، وعدم حصول اضطرابات في الأسواق التموينية وانحدار البلاد إلى مستوى المجاعة، لافتاً إلى أن عامل الزمن لم يعد لصالح السلطات النقدية.
وفي ما يخص الخيارات المتاحة، رأى عبدالباقي، أنها محدودة وعاجلة، في الوقت نفسه، أمام السلطات النقدية، لعل أبرزها التحرك لوضع يدها على كل موارد البلاد التي تعود على خزينة الدولة بالعملات الصعبة، وأهمها قطاعا النفط والغاز.
وشدد على ضرورة وجود تحرك جاد وسريع لدى الدول الداعمة، وبالذات دول الإقليم، والمؤسسات الدولية المانحة، لحشد المزيد من المساعدات الخارجية لدعم استيراد ما يكفي من المواد الأساسية، والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، ولمنع حدوث اختناقات وشيكة في عمليات استيراد السلع الغذائية الأساسية.
ومع قرب شهر رمضان المبارك، تزداد مخاوف المواطنين من جنون الأسعار، الذي عادة ما يصيب السلع الأساسية والمواد الغذائية، في كل موسم، إلا أن هذه المرة يبدو الوضع مختلفاً، والأعباء إضافية وثقيلة، على الوضع الاقتصادي بشكل عام، بسبب ما يعانيه الاقتصاد اليمني، من أزمات متلاحقة، وحالة الركود التي أصابت الاقتصادات في العالم، مع التوسع العالمي في الإغلاق في ظل تفشي فيروس كورونا الجديد، وقرارات بعض الدول بوقف التصدير مؤقتاً، فضلاً عن زيادة الطلب العالمي على الغذاء، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار تلك المواد، أو تقليل شروط السلامة المفروضة على المواد الغذائية.


متعلقات