ر أكثر من أسبوع، منذ أعلن التحالف العربي- بقيادة المملكة العربية السعودية- هدنة بوقف إطلاق النار في اليمن، بدءً من 9 أبريل/ نيسان الجاري، ولمدة أسبوعين قابلة للتمديد. وهي الهدنة التي استبقها الحوثيون بتصعيد لم يتوقف حتى اليوم.
جاءت تلك الهدنة، المعلنة من طرف واحد، عقب دعوات متكررة من قِبل الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في اليمن، والتفرغ لمواجهة جائحة فيروس "كورونا" المستجد (كوفيد-19)، التي تسببت في وفاة أكثر من مائة وخمسين ألف شخص، وإصابة أكثر من مليونين آخرين حول العالم.
وأعلنت الحكومة اليمنية تأييدها للخطوة، وأبدت استعدادها للالتزام بالهدنة، التي حظت بترحيب كبير من قِبل المجتمع الدولي الذي رأى أن إعلان وقف إطلاق النار مناسبا في هذا التوقيت.
وبالتزامن، كشف مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، عن مبادرة جديدة تقدم بها المبعوث إلى الأطراف في اليمن لمناقشتها معهم. وأكد غريفيث، ضمن إحاطته الأخيرة المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي، الخميس الماضي، أنه أنخرط- على مدار الأسبوعين السابقين، منذ تقديم تلك المقترحات "في مفاوضات متواصلة مع الطرفين حول نصوص وتفاصيل هذه الاتفاقيات".
وتضمنت المبادرة- وفقا لإحاطة المبعوث الأممي- ثلاثة مقترحات رئيسية، هي: وقف إطلاق النار في عموم اليمن؛ واتخاذ مجموعة تدابير إنسانية واقتصادية للتخفيف من معاناة اليمنيين وبناء الثقة، وبما يضمن تنسيق الجهود لمواجهة تهديد تفشي كورونا؛ ثم يأتي المقترح الثالث والأخير، والمتمثل باستئناف العملية السياسية.
رفض واستغلال
وكان التحالف أكد في إعلانه الهدنة أن وقف إطلاق النار جاء استجابة لدعوات الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن للتفرغ لمواجهة جائحة فيروس "كورونا"، واتاحة المجال لإنجاح جهود الأمم المتحدة في الحوار.
وهو ما أكده غريفيث في إحاطته، بقوله "إنَّ الهدف الصريح من وقف إطلاق النار هو إيجاد البيئة المواتية لإنجاح الجهود التي تقودها الأمم المتحدة نحو تحقيق السلام، والتي أشار لها الأمين العام للأمم المتحدة".
وأشار المبعوث الخاص إلى نداء الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أطلقه في 25 مارس/ آذار، ودعا فيه الأطراف "للوقف الفوري لكل الأعمال العدائية، وناشدهم التركيز على الوصول إلى تسوية سياسية من خلال التفاوض، وبذل كل ما يمكن فعله في مواجهة الجائحة"..
ومع أنه أكد، في الإحاطة، على أن كل من الحكومة اليمنية والحوثيين رحبوا على الفور بهذا النداء..، إلا أن ما هو على أرض الواقع، يؤكد أن إعلان الهدنة جاء من طرف واحد فقط. حيث رفضت ميليشات الحوثي الاستجابة لها، ما جعل الهدنة في مهب الريح..
وبدلا من ذلك، شكك الناطق الرسمي للحوثيين محمد عبدالسلام- في تغريدة له على تويتر- بإعلان التحالف، وأعتبره "مجرد تدليس وتضليل للعالم"، وأن الأمر يتطلب قرارا صريحا بإيقاف الحرب..
لم تعترف ميليشيات الحوثي بالهدنة، إلا أنها- مع ذلك- لم تتوقف عن اتهام التحالف بخرق هدنته التي أعلنها من طرفه فقط. الأمر الذي يكشف عن ما كانت الميليشيات تبيته من وراء عدم موافقتها على وقف إطلاق النار؟!
فقد حاولت جماعة الحوثي استغلال الهدنة، ووقف إطلاق النار من طرف واحد، في تعزيز تقدمها في الجبهات الأكثر سخونة، والتي تعثرت فيها، وتحديدا في محافظتي الجوف ومأرب اللتين شهدتا تراجعا لقواتهم مؤخرا.
وعقب إعلان التحالف وقف إطلاق النار، أطلقت الميليشيات عدد من الصواريخ الباليستية على محافظتي مأرب والجوف، صدتها الدفاعات الجوية (باتريوت) التي نصبتها السعودية مؤخرا، عوضا عن التي سحبتها الإمارات في وقت سابق. أعقبها قصف جوي من طيران التحالف لمواقع منصات إطلاق الصواريخ.
ورصد الجانب الحكومي اليمني ما أسماها "خروقات ميليشيات الحوثي" للهدنة، حتى مع أن الأخير لم يعلن موافقته عليها. وبدى ذلك وكأن الحكومة تسعى إلى تعرية الميليشيات أمام المجتمع الدولي الضاغط لإيقاف إطلاق النار.. (أنظر الأنفوجرافك المرفق، الذي أعده "يمن شباب نت" من البيانات التي رصدها المركز الإعلامي التابع للقوات المسلحة اليمنية)
طور جديد للمعركة
وفي حين أظهرت جماعة الحوثي تعنتا واضحا أمام استجابة التحالف لدعوات الأمم المتحدة للحوار السياسي من أجل التوصل إلى سلام دائم، فقد فضلت الميليشيات التعامل مع هذا الأمر بشكل خاص، بعيدا عن التحالف والحكومة اليمنية، من خلال تقديمها مقترحا يتضمن رؤيتها الخاصة لكيفية وقف الحرب بشروطها، رفعته إلى "غريفيث" مباشرة..
وشملت رؤية الحوثيين ثلاث نقاط، هي: وقف نهائي لإطلاق النار؛ ورفع "الحصار"؛ والبدء بعملية سياسية شاملة..
وتعليقا على هذه التطورات، السياسية والميدانية، يرى أستاذ إدارة الأزمات في جامعة الحديدة نبيل الشرجبي أن "طور المعركة في اليمن دخل مراحل أخرى تختلف عن المراحل السابقة، وهي في الغالب تصب في غير صالح الحوثيين، الأمر الذي يدركه كلا من التحالف وتلك الجماعة".
وبناء على ذلك، يضيف الشرجبي لـ"يمن شباب نت"، أن الحوثيين سيتمسكون بتلك المبادرة التي تقدموا بها للمبعوث، "حتى لا تعود جبهات الحرب للإشتعال".
غير أن ذلك، بالنسبة له، لا يعد سببا لتقديم الحوثيين مبادرتهم تلك، بل أيضا سبب لمهلة الأسبوعين التي أعلن عنها التحالف العربي، كما يعتقد المحلل السياسي والأكاديمي، الشرجبي، الذي يتوقع "عودة الأمور إلى حالها الأول قبل الهدنة، ما لم تظهر معطيات دولية جديدة".
مباحثات سعودية – حوثية مستمرة
تحاول جماعة الحوثي بشدة، فرض إملاءاتها على السعودية، فهي تشترط وقف التحالف لإطلاق النار، ورفع الحصار للانخراط في المحادثات.
عمليا، من الواضح أن الهدنة التي أعلنها التحالف، قد فشلت على أرض الواقع، نتيجة موقف الحوثيين المتعنت، إلا أن ذلك لم يمنع الطرفان، السعودي والحوثيين، من مواصلة الأنخراط في محادثات ثنائية. وعقب أيام من إعلان التحالف الهدنة، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مطلعة، تأكيدها استئناف السعودية محادثاتها غير المباشرة مع الحوثيين، بهدف وقف التصعيد لمواجهة فيروس كورونا.
وطوال الفترة الماضية، التي أعقبت استهداف معامل شركة "أرامكو" السعودية للنفط، بقصف صاروخي، منتصف سبتمبر/ أيلول 2019، دخلت السعودية في حوار ثنائي مع الحوثيين، بوساطة أمريكية وبريطانية.
وهو ما أكده السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، في لقاء صحفي مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، نشر في 21 مارس/ آذار الماضي، أن بلاده تجري يوميا محادثات مع الحوثيين، منذ الهجوم على شركة "أرامكو".
وبرغم ذلك، إلا أن المحلل السياسي، الشرجبي، لا يميل لتصديق الحديث عن حوار سعودي حوثي حول تفعيل الهدنة المعلنة، لأسباب يقول إنها "تتعلق بطرح المبادرة نفسها"، مضيفا: "وإلا لما طرح الجانب الحوثي هذه المبادرة، قبل انتهاء تلك المباحثات المزعومة، غير المباشرة"!!.
البحث عن مخرج
وعلى عكس الشرجبي، يعتقد الكاتب الصحفي فهد سلطان أن الحوثيين يدركون تماما أن السعودية تبحث عن حل للخروج من حرب اليمن التي دخلت عامها السادس، ولذلك دخلت في محادثات معهم لوقف هذه الحرب، ما جعل الجماعة تستغل ذلك بحثا عن أكبر قدر ممكن من المكاسب.
وأضاف لـ"يمن شباب نت": وأتوقع أن تخضع السعودية لهم في نهاية الأمر، كونها- على ما يظهر من مواقفها- لم تعد راغبة في مواصلة الحرب، وربما حتى الاستمرار في دعمها للشرعية لمواصلة الحرب نيابة عنها.
وأشار سلطان إلى أن كل الشروط التي طرحتها السعودية، رفضت من قبل الحوثيين، الذين يضعون رهانهم على عامل الوقت، وكأن الأمر لصالحهم برغم الخسائر الكبيرة في صفوفهم، لكن ما جعلهم يستمرون ويناورون هو بقاء قرارهم السياسي قويا. كما يقول.
وبرغم كل جهود السلام، إلا أن الحوثيين- منذ مطلع العام الجاري تحديدا- بدءوا بتصعيد كبير لتوسيع نفوذهم نحو جبهتي "نهم" و"الجوف"- شرق صنعاء- دون أن تواجه بردود حازمة من قِبل المجتمع الدولي.
ويُحذر مراقبون من خطورة التزام التحالف بالهدنة وتمديدها من جانب واحد. فبدون خضوع ميليشيات الحوثي لوقف أطلاق النار، يتيح لهم مواصلة محاولاتهم المستميتة للسيطرة على مناطق أخرى، كما حدث في الضالع مؤخرا، بالتزامن مع إعلان وقف إطلاق النار من قبل التحالف.