تقرير: أحمد عبدالله و وفاء ناجي
تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد “كوفيد 19″، دفع بالدول التي تفشى فيها الفيروس، إلى اتخاذ إجراءات مشددة على مواطنيها والوافدين من دول أخرى للعمل فيها، ومنهم مغتربون يمنيون تأثروا سلباً بتلك الإجراءات، وعجزوا معها عن القيام بتحويلات مالية لأسرهم في اليمن، التي تعاني من تداعيات الحرب المشتعلة منذ 5 سنوات.
وفي مارس 2015، قادت السعودية تحالفاً عربياً للحرب في اليمن، بهدف إعادة الشرعية التي انقلب عليها الحوثيون في سبتمبر 2014.
إجراءات تمديد الحجر الصحي وإغلاق محلات الصرافة في البلدان التي تفشى فيها كورونا، ألقت بظلالها على العمال اليمنيين فيها، كما هو الحال في السعودية التي زادت فيها حالات الإصابة بالفيروس إلى أكثر من 12 ألف حالة، حتى السبت الماضي، ما عرض آلاف الأسر في اليمن لمشاكل اقتصادية.
ومن بين آلاف الأسر المستفيدة من حوالات المغتربين اليمنيين الذين تضرروا بإجراءات الدول لمواجهة فيروس كورونا، أسرة إلهام عبده قاسم، التي تعيش أوضاعاً صعبة بعد توقف زوجها عن العمل في السعودية، وعدم تمكنه من تحويل القليل من المال لها ولأطفالهما الثلاثة في محافظة تعز (غرب اليمن).
وتؤكد إلهام لـ”المشاهد” أن الخوف يسيطر عليها، فلم يبقَ معها سوى 300 ريال سعودي، ولا تعلم كيف ستتدبر أمرها خلال الفترة القادمة، بعد أن انقطع دخل زوجها هناك، بسبب الفيروس، واضطرارهم للبقاء في المنزل، ولو تدبر مبلغ من المال لن يتمكن من إرساله، نتيجة إغلاق محلات الصرافة في السعودية.
وتابعت: “صحيح أن بعض المناطق والدول لازال بإمكان المواطن إرسال المال إلى أهله، لأن محلات الصرافة مفتوحة، لكن الوضع مختلف تماماً في دول أخرى، بسبب إغلاقها، ما يعني صعوبة إرسال أي مبالغ لهم”.
أدت تداعيات فيروس كورونا إلى تراجع تحويلات المغتربين بنسبة قد تصل إلى 20%، فضلاً عن خسائر قطاع السياحة والخدمات، وخفض المساعدات المقدمة لليمن، وتراجع أسعار النفط، وفقاً لتقرير “تداعيات كورونا على الاقتصاد اليمني” الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (أحد أهم منظمات المجتمع المدني اليمنية التي تعمل في الشأن الاقتصادي والتوعية بقضاياه)، لشهر أبريل الجاري.
وتعيش كثير من الدول ركوداً اقتصادياً يزداد سوءاً يوماً بعد آخر، مع استمرار انتشار فيروس كورونا الذي أدى إلى أسوأ ركود اقتصادي في العالم.
تعاني اليمن من ارتفاع نسبة البطالة والفقر فيها، مع استمرار الحرب، إلى ما يزيد عن 82%، وأغلب سكانها يعتمدون على المساعدات التي تأتي عبر المنظمات الإغاثية.
جراء ذلك توقفت الحوالات الخارجية إلى اليمن، بسبب إغلاق محلات الصرافة في بعص تلك الدول، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على اقتصاد البلاد ككل، وعلى المواطنين الذين يعتمد أغلبهم على ما يرسله لهم أقرباؤهم المغتربون.
ويوجد في المملكة العربية السعودية قرابة مليوني يمني.
وتعاني اليمن من ارتفاع نسبة البطالة والفقر فيها، مع استمرار الحرب، إلى ما يزيد عن 82%، وأغلب سكانها يعتمدون على المساعدات التي تأتي عبر المنظمات الإغاثية.
وإلى جانب ذلك، تعاني من أزمة اقتصادية أدت إلى فقدان الريال اليمني قيمته، فقد وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى أكثر من 670 ريالاً، بعد أن كان لا يتجاوز 215 ريالاً قبل سنوات الحرب المستمرة إلى اليوم.
وتمثل الحوالات الواردة من دول الخليج إلى اليمن، كما يقول الصحفي الاقتصادي نبيل الشرعبي، أحد روافد الاقتصاد اليمني، وأحد أهم مصادر الدخل لما يربو على مليون أسرة، أي ما يعادل 4 إلى 7 ملايين نسمة من اليمنيين، يسهمون في تحريك عملية العرض والطلب السلعي والدورة النقدية بما يوازي 23%.
ويشير الباحث في الشؤون الاقتصادية عبدالواحد العوبلي، إلى اعتماد الاقتصاد الوطني على المغتربين في ضخ سيولة من العملة الصعبة، تصل إلى ما يقارب 4 مليارات دولار سنوياً، وانخفاض التحويلات من المغتربين اليمنيين في السعودية إلى اليمن، بنسبة تزيد عن 60%، وانخفاضها من ماليزيا إلى ما يزيد عن 90%.
ويتوقع العوبلي، في حديث مع “المشاهد”، انخفاض النسبة بشكل أكبر خلال شهر أبريل، بحكم أن السلطات السعودية فرضت حظراً كاملاً على كل القطاعات والنشاطات الاقتصادية التي يعمل فيها المغتربون اليمنيون، ويعتمدون عليها للحصول على دخلهم.
صاحب تراجع التحويلات ارتفاع في أسعار المواد الأساسية، إذ بلغ متوسط نسبتها في أبريل، مقارنة بشهر فبراير الماضي، في صنعاء، 15%، وفي عدن 17%، وفي تعز 11%، ومأرب 8%، وحضرموت 4%، وفق تقرير تداعيات كورونا على الاقتصاد اليمني لشهر أبريل الجاري، الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.
هذه الأوضاع أثرت على أسرة رياض ناصر، وكثير من أسر المغتربين اليمنيين، بشكل مغاير لما كان عليه في الحال في السابق، فالكثير من المغتربين يقطنون الآن في الحجر المنزلي بعد تفشي وباء كورونا حول العالم، دون عمل، وذلك يؤثر سلباً على الأسر التي تعتمد اعتماداً كاملا ًعلى المغتربين في توفير الاحتياجات الأساسية لها، خصوصاً مع قدوم شهر رمضان المبارك.
رياض ترك دراسته، واتجه للعمل في ليبيا لتوفير لقمة عيش كريمة له ولأسرته التي تعيش في مديرية بعدان بمحافظة إب (وسط اليمن)، بعد أن واجه الكثير من الصعوبات، وعجز عن تلبية احتياجات الأسرة.
ولدى وصوله إلى ليبيا، عمل في ورشة لصب وصهر الألومنيوم فترة من الزمن. وقتها تحسن وضع أسرته، واشترى لشقيقه الأصغر ڤيزا للعمل في المملكة العربية السعودية، هو الآخر، بعد أن كانت البطالة في انتظاره لدى تخرجه من الجامعة، لكن الانفلات الأمني في ليبيا تسبب في حرمانه من العمل، فاضطر لمغادرتها بطريقة غير مشروعة، عبر البحر، متجهاً، هذه المرة، إلى إيطاليا، وحصل على اللجوء.
وبعد منح رياض اللجوء في إيطاليا، بدأ العمل في مصنع للألومنيوم في مدينة ميلانو. لكن وصول فيروس كورونا، مطلع العام الجاري، إلى إيطاليا، أوقف الأعمال والمصانع، وتضررت إيطاليا أكثر من أي بلد آخر في الاتحاد الأوروبي، بسبب تفشي الفيروس، وتضرر معه رياض وأسرته.
ويقدر وزير المغتربين محمد العديل، تحويلات المغتربين السنوية بالعملة الصعبة، بنحو 8 مليارات دولار، تأتي من قرابة 7 ملايين يمني يتوزعون على 50 دولة، على رأسها السعودية التي تستوعب ما يزيد عن مليوني مغترب. لكن البنك الدولي تحدث بأن تحويلات المغتربين بلغت عام 2017 حوالي 3.4 مليار دولار.
لكن مع تعرض الكثير من الدول إلى انكماش شديد في اقتصادها، نتيجة انخفاض الطلب على السلع والخدمات، بالإضافة إلى الانخفاض الحاد الذي شهدته أسعار النفط عالمياً، بعد اجتياح وباء كورونا لها، إلا أن التأثير على مستوى الاقتصاد اليمني، كما يرى العوبلي، ظل في حدوده الدنيا، بسبب أن الاقتصاد اليمني في وضع سيئ أساساً، فمنذ أكثر من 5 سنوات وقطاع الأعمال متعطل بنسبة تزيد عن 70%.
وينتظر اليمن نفاد الوديعة السعودية خلال الفترة القليلة القادمة، ما يعني انهياراً كبيراً للعملة الوطنية، وعجز اليمن عن استيراد المواد الغذائية الأساسية التي كانت الحكومة تخصص اعتمادات مالية من الوديعة لدعمها.
وللتخفيف من مشكلة تأثير حوالات المغتربين بشكل سلبي على اقتصاد اليمن، يقترح العوبلي، تدخل البنك المركزي اليمني، بالتنسيق مع البنك المركزي السعودي، ومثلها بقية بلدان الخليج والسلطات النقدية والمصرفية فيها، في تخصيص قنوات تضمن استمرار التحويلات، ولو لشريحة العمالة المنتظمة التي تعمل برواتب شهرية لدى جهات تستخدم أنظمة محاسبية مرتبطة بالقطاع المصرفي، ويتم من خلال ذلك تحويل رواتب هذه العمالة عبر تلك القنوات التي ستستحدثها الجهات النقدية والمصرفية.