الجزيرة تكشف بالأرقام حقيقة كورونا في اليمن.. ضحايا بالآلاف واستسلام في وجه المرض
الخميس 21 مايو 2020 الساعة 13:05
تعز أونلاين- الجزيرة نت

كأن اليمن ينقصه فيروس كورونا ليتفشى فيه، بعد خمسة أعوام عانى خلالها من ثلاثية الحرب والمجاعة والكوليرا، لتأتي جائحة كورونا لتفتك ببلد أنهكته الحروب، ليحصد الوباء آلاف الضحايا في وقت قصير، في حين يقف القطاع الطبي عاجزا عن مواجهة الوباء، وسط معاركه في مداواة آثار الحرب والكوليرا وسوء التغذية وموجة الفيروسات التي تضرب جنوب البلاد.

 

ويبدو أن وباء كورونا عرف طريقه للانتشار في جميع أنحاء اليمن، حيث حصلت الجزيرة نت على أرقام صادمة تؤكد وفاة نحو ألف شخص في العاصمة المؤقتة عدن جراء الإصابة بموجة من الفيروسات والأمراض مؤخرا، ومن بينها كورونا.

 

إضافة إلى نحو مئتين في صنعاء، أما تعز -التي تعاني من الإهمال من السلطة الشرعية، وهجمات الحوثيين- فإن معركتها مع كورونا باتت مفتوحة على مصراعيها، وسط مخاوف من أن ينتصر الوباء على مدينة صمدت في وجه الحرب والخذلان.

 

وتبدو النتيجة الأبرز التي وصل لها فريق مراسلي الجزيرة نت في اليمن أن السلطة الشرعية والحوثيين لا يفصحان عن الأرقام الفعلية للإصابات بالفيروس، وهو ما تؤكده منظمات دولية.

 

وتتبعت الجزيرة نت حقيقة الوضع على الأرض، بعيدا عما تعلنه السلطات الرسمية، وكانت البداية من صنعاء؛ حيث كشف أطباء ومصادر خاصة للجزيرة نت عن أن عدد الإصابات التي تم التأكد منها بلغت حتى الآن أكثر من خمسمئة حالة، في حين بلغ عدد الوفيات أكثر مئتين، رغم أن سلطات الحوثيين لا تعترف سوى بتسجيل أربع حالات فقط.

 

نكبة صنعاء بكورونا

 

يؤكد أطباء يعملون في مستشفى الكويت بصنعاء -تحدثوا للجزيرة نت- أن المستشفى يعالج حاليا أكثر من أربعمئة حالة مصابة بالفيروس، ويتم دفن الوفيات بإشراف أحد الأطباء بعد غسلهم بمادة كورلكس للتعقيم.

 

وحسب الأطباء، فإن مستشفى زايد في صنعاء يمثل ثاني المستشفيات التي يتم فيها حجر الحالات المشتبه في إصابتها بكورونا، حيث يوجد فيه عشرات الحالات من دون رعاية صحية.

 

وحول عدم إفصاح الأهالي عن وفياتهم بالمرض، تحدثت الجزيرة نت لأفراد من عائلات بعض ممن توفوا بالفيروس، وأكدوا أن الحوثيين قاموا بتهديدهم بالتخلي عن رعاية مرضاهم أثناء إصابتهم، إضافة إلى تهديدهم بالسجن في حال تحدثوا عن وفاة أقاربهم بالفيروس.

 

وحصلت الجزيرة نت على كشوف لعدد من المصابين الذين تأكدت إصابتهم بأعراض كورونا في المختبر المركزي القريب من مستشفى الكويت، الذي تحوّل إليه الحالات المصابة بصنعاء.

 

ويؤكد الدكتور محمد الكمالي (اختصاصي جراحة المخ والأعصاب) للجزيرة نت أنهم يحرصون في صنعاء على أخذ الاحتياطات في العيادات والمستشفيات بقدر الإمكان، رغم أن أدوات الوقاية والتعقيم تكاد تكون معدومة، والمتوفر منها من نوعيات رديئة وتجارية وغير فعالة.

 

كورونا يفتك بالأطباء

 

وكشفت مصادر طبية للجزيرة عن طلب وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة الحوثيين من الأطباء الذين يشرفون على الحالات البقاء في المستشفى تحت الحجر الصحي وعدم المغادرة منذ نحو شهر تقريبا.

 

وطبقا لشهادة الأطباء الذين تحدثوا للجزيرة نت، فإن أربعة من الفريق الصحي المكلف بمتابعة الحالات المشتبه في إصابتهم بالفيروس توفوا في الأيام الأخيرة، بعد أن عُزلوا في غرف خاصة.

 

وبحثا على أسباب التعتيم عن الحالات المصابة من قبل وزارة الصحة التابعة للحوثيين في صنعاء، تحدثت الجزيرة نت مع الناطق الرسمي باسم الوزارة يوسف الحاضري، الذي نفى الأنباء عن حالات الوفاة اليومية بالفيروس في صنعاء.

 

وقال للجزيرة نت إن ما يتداوله البعض عن حالات الدفن لوفيات بسبب كورونا ليست صحيحة، وقال إنها "جثث كانت في المستشفيات الحكومية لأشخاص مجهولي الهوية، وليس لديهم أهل، إضافة إلى أشلاء من قتلوا نتيجة غارات التحالف"، مشيرا إلى أن توجيهات صدرت لهم بإفساح المجال في ثلاجات المستشفيات بصنعاء، كون طاقتها الاستيعابية قليلة.

 

الحوثيون والتقصي

 

وبالنسبة للحالات التي يشتبه في إصابتها بكورونا، قال الحاضري إنه يتم الإعلان عنها بشكل رسمي من وزارة الصحة (أربع حالات فقط)، وأضاف "لنا طريقتنا الخاصة في التقصي والاكتشاف والفحص وفقا لظروفنا وإمكاناتنا".

 

وأوضح المتحدث للجزيرة نت أنه تم تخصيص مستشفيات للحالات المشتبه في إصابتها بكورونا، مؤكدا أن هناك الكثير من الأمراض الصدرية المشابهة لأعراض كورونا، ويتم تمييزها عن طريق الفحص المخبري.

 

وفي ما يتعلق بإمكانات وزارة الصحة بصنعاء، أفاد الحاضري بأنها شحيحة جدا بحكم الحصار المفروض على اليمن منذ نحو خمسة أعوام، "بعد أن تكالب العالم أجمع على اليمن، كما دمر التحالف البنية التحتية، إضافة إلى الفساد الخدمي خلال العقود الأربعة الماضية"، على حد تعبيره، كما اتهم الحاضري المنظمات الدولية بالتنصل من مسؤولياتها في مساعدة اليمن خلال الفترة الحالية.

 

1000 وفاة بعدن

 

ولا تختلف حال عدن عن صنعاء كثيرا؛ إذ تعصف بها -إضافة إلى كورونا- موجة من الأوبئة الفيروسية والحميات القاتلة التي تفشت عقب الأمطار الجارفة التي شهدتها المدينة في 21 أبريل/نيسان الماضي، مخلفة آلافا من المصابين، قضى منهم منذ مطلع مايو/أيار الجاري أكثر من 950 شخصا، وسط واقع صحي صعب تعيشه المدينة، التي باتت تعاني مما يشبه فراغ السلطة، بعد أن أحكم المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا سيطرته عليها.

 

وعن هذه الموجة من الوفيات التي تشهدها المدينة لأول مرة في تاريخها، وما أثارته من مخاوف لدى السكان؛ قال رئيس مصلحة الأحوال المدنية اللواء سند جميل في لقاء مع الجزيرة نت إن الزيادة غير المألوفة في أعداد الوفيات اضطرت المصلحة لنشر إحصاءات أعداد الوفيات بشكل ملفت، حيث تجاوز في 7 مايو/أيار 65 حالة.

 

وأشار جميل إلى تفاوت مؤشرات عدد الوفيات منذ ذلك التاريخ وحتى 18 من الشهر نفسه، من بين 60 ثم 73 و55 حالة، حتى وصلت للذروة بـ89 حالة خلال اليوم الواحد.

 

وحصلت الجزيرة نت على كشف يوثق إجمالي الوفيات في عدن، التي منحتها مصلحة الأحوال المدنية حتى 17 من الشهر الجاري، إذ بلغ عددها أكثر من ألف حالة وفاة، تشمل كورونا والأوبئة الأخرى.

 

وأعلنت اللجنة الوطنية العليا لمواجهة كورونا التابعة للحكومة الشرعية في اليمن أمس الأربعاء عن تسجيل 13 حالة إصابة جديدة بينها حالة وفاة، ليرتفع العدد إلى 180 حالة بينها 29 حالة وفاة و5 حالات تعافي.

 

ويصف الناشط عبد السلام القاضي (أحد أقارب مريض) الوضع في محافظة عدن بأنه "مخيف جداً".

 

وقال للجزيرة نت إن هناك مرضى كثيرين تم رفضهم من أكثر من مستشفى ترددوا عليه بذريعة عدم وجود أسرّة بسبب تفشي الوباء في المدينة، إضافة إلى ضعف إمكانات المشافي الأخرى أمام استقبال حالات مشتبه في إصابتها بكورونا.

 

وحسب القاضي، فإن جزءا مهما من الفرق الطبية في عدن "اختفى"، ويشير إلى أن بعض الأطباء يواجهون مصاعب كبيرة في ظل عدم وجود المعدات الوقائية اللازمة.

 

أما مدير مستوصف الحياة (غربي عدن) عبد اللطيف الصبيحي فيصف الوضع الصحي في المدينة "بالرديء جدا" بسبب كارثة الأمطار التي عصفت بالمدينة، وتكدس المخلفات التي لعبت دورا كبيراً في انتشار البعوض، الذي يعد الناقل الرئيسي لحمى الشيكونغونيا.

 

تعز.. عجز بعد سنوات الخذلان

 

ويكشف مدير عام مكتب الصحة بتعز الدكتور راجح دبوان أن المدينة هي الأكثر في عدد السكان، ولا يوجد لديها سوى جهازين فقط للتنفس الصناعي في مركز العزل.

 

ويضيف للجزيرة نت "محافظة كبيرة مثل تعز يبلغ عدد سكانها نحو خُمس سكان اليمن بحاجة على الأقل إلى ما بين 200 و250 جهاز تنفس صناعي".

 

وتحدث دبوان للجزيرة نت عن أهم الاحتياجات الأخرى الماسة التي تحتاجها المدينة لمواجهة كورونا، مؤكدا "أن المدينة بحاجة ماسة، وبصورة طارئة، إلى جهاز لقياس الغازات في الدم، وجهاز أشعة متحرك، وعدد من أسرّة العناية المركزة التي تفتقدها المحافظة بشكل كبير".

 

كما أشار إلى حاجة المحافظة أيضا إلى "إصحاح بيئي في مركز العزل، وتوفير كل وسائل الحماية الشخصية لكافة الفرق الصحية، من المنازل حتى أقسام الطوارئ حتى مركز العزل".

 

تعز تواجه الموت

 

وحذر مدير عام الصحة من أن تعز "معرضة للموت" بمختلف الأمراض، مرجعا السبب في ذلك إلى "عدم توفر معظم الأجهزة الصحية اللازمة للعمل والفحص"، مشيرا إلى أن المحافظة -على سبيل المثال- لا يتوافر فيها جهاز واحد للفحص "الطبقي المحوري" و"الرنين المغناطيسي".

 

وناشد المسؤول الصحي الأول بالمحافظة المنظمات الإنسانية والصحية المحلية والدولية -بما في ذلك فاعلو الخير وتجار تعز- "مدّ يد العون لمراكز العزل، وتجهيز مراكز حجر صحي في المديريات".

 

صعوبة تقدير حجم الكارثة

 

وتمر محافظة تعز -مثل معظم المدن اليمنية- بجدل كبير بشأن حجم تفشي فيروس كورونا، خاصة  مع ارتفاع أعداد الوفيات بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة.

 

غير أن السائد في اليمن أن تلك الزيادات، سواء في صنعاء أو عدن أو تعز، لا تُنسب للفيروس الجديد الذي انتشر سريعا على مستوى العالم، لكنها تنسب إلى أمراض أخرى كالكوليرا وحمى الضنك والمكرفس، وضيق التنفس (الربو).

 

وأكد مسئول الإعلام بمكتب الصحة بتعز تيسير السامعي صعوبة تقدير حجم الكارثة المحدقة بالمحافظة في ما يتعلق بجائحة كورونا.

 

وأوضح للجزيرة نت أنه "نظرا لأن المكتب لا تتوفر لديه المحاليل المخبرية الخاصة بفحص المصابين بالفيروس، فإننا غير قادرين على تقدير حجم الكارثة بشكل دقيق".

 

ولم يستبعد وجود حالات إصابة بالفيروس "قد تكون منتشرة بالفعل، لكننا لا نعلمها، ولن نعلمها ما دمنا لا نستطيع إجراء الفحوص المخبرية لعدم توفر محاليل الفحص".

 

وقال إنهم طوال الفترة الماضية -حين كانت تتوفر لديهم عدد من محاليل الفحص- كانوا يكتفون فقط بفحص الحالات المشتبه فيها التي تصلهم.

 

وأشار إلى أن مكتب الصحة بتعز حصل في السابق على مئة مسحة فقط من محاليل الفحص (PCR)، واستهلكت جميعها على الحالات المشتبه فيها، وبعض المخالطين الرئيسيين من الدرجة الأولى.

 

ونفى أن تكون منظمة الصحة العالمية قدمت أي دعم للمحافظة بهذا الخصوص حتى الآن، مؤكدا أنهم تواصلوا معها -وما زلنا- للحصول على دعم، خاصة توفير محاليل الفحص المخبرية، إلا أنها لم تستجب حتى الآن.

 

تحذيرات من كارثة

 

وبخصوص الإحصاءات التي لديهم للإصابات بفيروس كورونا، أكد مدير عام الصحة بتعز أن هناك خمس حالات مؤكدة، كان قد تم الإعلان عنها سابقا، وهناك نحو 150 حالة مخالطة.

 

لكنه كشف للجزيرة نت عن وجود نحو عشر حالات مشتبه فيها تتواجد حاليا في عدد من المستشفيات، "إلا أنه لم يتم تشخيصها بسبب عدم توفر المحاليل اللازمة".

 

وإلى جانب ذلك، أشار إلى أن هناك عشرين عينة أخرى تم عزلها من الفيروس، ووضعها في الثلاجات بانتظار المحاليل لفحصها، متوقعا وصول عدد من المحاليل.

 

ومن ثم، نوه إلى أن الفترة القادمة قد تكون مليئة بالمفاجآت الصادمة؛ "نتوقع أن تكون هناك نتائج مقلقة ومخيفة".

 

ولم تمر سوى ساعات على تلك التصريحات التي حصلت عليها الجزيرة نت حتى أعلنت لجنة الطوارئ لمواجهة جائحة كورونا بمحافظة تعز (فجر الثلاثاء) تسجيل حالتي وفاة جديدتين إلى جانب عشر إصابات جديدة بفيروس كورونا.

 

وقال الناطق باسم اللجنة الدكتور أحمد منصور -في بيان- إن "عدد الحالات التي تم فحصها مخبريا عشرون حالة، وكانت النتيجة عشر حالات إيجابية، وعشر سالبة، لترتفع إجمالي الحالات المؤكدة بتعز إلى 15 حالة".

 

وأكد المسئول الإعلامي أن خمسين مسحة إسعافية من محلول الفحص المخبري وصلت إلى المحافظة من محافظة حضرموت، استخدمت لكشف تلك الحالات الجديدة المعلنة.

 

ورجح مدير عام مكتب الصحة بتعز أن تزداد الحالات مع اقتراب العيد، ثم استدرك "وهذا ما نخشاه، ونحذر منه".

 

غياب المنظمات الدولية

 

وبحثا عن دور المنظمات الدولية العاملة في اليمن إزاء تفشي كورونا، تحدثت الجزيرة نت مع مصدر مسؤول في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالبلاد، الذي أكد أن هناك انتشارا متسارعا لفيروس كورونا في اليمن، وأن هناك جهودا تبذل من أجل حث عدد من الجهات المانحة على دعم القطاع الصحي في البلاد.

 

وقال المصدر للجزيرة نت -الذي طلب عدم كشف هويته- إن قضية التحفظ عن أرقام الإصابات الحقيقية هي أكثر ما يثير القلق، مضيفا أن هذا السلوك ليس من صالح اليمنيين ولا أطراف النزاع، حيث قد يعطي المواطنين طمأنينة خادعة، في وقت يجب الإفصاح عن الوضع الحقيقي للكارثة، سواء في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة أو الحوثيين.

 

وشدد المصدر على ضرورة أن يتوقف اليمنيون عن أي أعمال مسلحة أو عدائية قد تفاقم الوضع الراهن في البلاد، ويجب أن تكثف الجهود لمواجهة الوباء الذي قد يصيب نصف سكان اليمن.


متعلقات