عبدالله الحرازي يكتب عن "ثمن السؤال المحتمل"!
الأحد 28 يونيو 2020 الساعة 14:32
تعز أونلاين- عبدالله الحرازي

قبل عشرة أعوام كنا على كورنيش حي حديث تم إنجازه للتو بإحدى العواصم الخليجية، نتأمل الأبراج الزجاجية المضاءة والرافعات التي تسابق الزمن لبناء أخرى، قال لي صديقي بحسرة: متى يمكن أن يصبح اليمن هكذا؟.


رددت بثقة: من الجيد أنه يحق لنا طرح مثل هذا التساؤل لأنه متاح وممكن، بمثل أموال أشقائنا هؤلاء يمكنك يا عزيز في بضع سنين أن تبني مثل هذه المدن الزجاجية وأكثر. نتحدث عن المال  وبعض الاستقرار لا غير، وعن بلد تعبر سماءه الغيوم المشبعة بالمطر مجرد عبور فيخضّر فيه حتى الصخر، تعشب صدور الجبال والرجال معاً.


طلبت من صديقي حينها أن ينظر خلفنا لمشروع آخر بذات الموقع، وأردفت:  صار لي هنا قرابة العام وهم يعملون ليل نهار محاولين بناء رابية صناعية  بمساحة  كيلومتر مربع واحد تقريبا، وها هي لم ترتفع بالمليارات أكثر من عشرة أمتار ليبنوا عليها شيئا ما، حين ينهض اليمن يا صديقي لن ينهض إعمارا فقط بل سينهض بقيم أخرى لا تجلبها الأموال، فهل سيتمكنون حتى من طرح مثل سؤالنا هذا على أنفسهم؟.


قلت ذلك بكل حسن نية وتمنينا لهم دوام الرخاء، ولليمن أن يستغل إمكانياته.


كلما أشغل الإماراتيون العالم ببرج خليفة ذي الـ 880  متراً كأطول ناطحة سحاب في العالم ، تذكرت بيتنا في صنعاء ذا الثلاثة طوابق من الحجر والآجر والذي ينتصب على أحد مرتفعات المدينة التي ترتفع بدورها عن سطح البحر قرابة 2300 متر، خاطبت  ذات يوم لاحق  – وبحسبة الأرقام التي تطربهم – حارس بعض حاناتها المتغطرس خلفان، وقلت إنني لن أراه من سطح منزلنا الطيني إلا كميكروب لا أكثر ، حتى لو وقف أعلى صنارة ذلك البرج ولوح  بيديه ورجليه، لأنه سيكون هو وبرجه العالمي بالأسفل وبفارق  1500متر. 

 

 

لم يخطر ببالي أن اليمن سيدفع ثمن ذلك السؤال المحتمل فورا، وأنني وبعد عشرة أعوام، والكثير من الأحداث والكوارث و المؤامرات، سأكتب ما أكتبه الآن من بلد يقع تحت سطح البحر ب6 أمتار

 


ليست غطرسة مجانية، قبل أيام أنجز ريفيون في جبال محافظة ريمة الشاهقة وبجهدهم الذاتي معجزة إنشائية لفرض طريق قالت الجغرافيا إنه لن يكون، وقالوا لها، ببساطة، بل سنفعل، وكان ما أرادوا،  وبسواعدهم ومعاولهم وإرادتهم فقط في ظل انهيار شامل في بلد تطحنه الحرب منذ 5 سنوات،  ليست غطرسة مجانية قط، إنها حسبة الأرقام الدقيقة، وحسبة القدرات والإمكانيات الحقيقية التي يعرفونها عن اليمن أكثر مما نعرف نحن عن ذواتنا للأسف، ولذا أضعنا البوصلة لبعض الوقت، وصار حفنة منا على استعداد لقتل وسحل يمنيين آخرين وتدمير أي شيء دون أن يرف لهم جفن، مقابل ألف درهم أو ريال سعودي أو "عشوة" إيرانية لا أكثر.


لم يخطر ببالي أن اليمن سيدفع ثمن ذلك السؤال المحتمل فورا، وأنني وبعد عشرة أعوام، والكثير من الأحداث والكوارث و المؤامرات، سأكتب ما أكتبه الآن من بلد يقع تحت سطح البحر ب6 أمتار لكنه يحتل أعلى سلم الاقتصاديات وبدون نفط، احتفل الشهر الماضي بمرور75 عاماً على آخر حرب دارت فيه، ومن على بعد 6000 كم  عن بيتي الطيني بصنعاء،  لم يدر في خلدي قط  أنى سأكتب عن بلد شاهق لم يتوانى أشقاء الخليج عن ضخ مئات المليارات من دولاراتهم لإغراقه في بحار دمه وحقدهم، لمحو ذلك السؤال المحتمل، ليتطاولوا هم بروابيهم وحضورهم ودولهم المصطنعة في المنطقة – لبعض الوقت - ويتوارى اليمن العالي ولا يكاد يبين حتى أنينه.


برغم كل شيء، لا أشعر بالحسرة  إلا على الزمن اليمني الذي أهدر بعضه الجيران في ضفتي خليج الأحقاد الفارسي أو العربي، سيان،  فقد استقطعوا معاً من الزمن اليمني  مالا يمكنهم سداده بأي ثمن يستطيعونه،  لكنه الزمن الآتي ولاريب كما تأتى الشمس كل صباح، رغم أنوف كثيرة بعضها يمني.


  لم ولن ينتهي اليمن، سيتوه قليلاً في صحاريهم ثم يعرف طريقه إلى الشموخ الذي ينتمى إليه، ولكن برجال غير هؤلاء الأشباه الذين احتلوا المشهد الأتعس وفقأوا أعين حكمتهم وتسببوا بكل هذا التيه، إنني مطمئن إلى حقيقة أن اللحظة التي يمكن أن يزول فيها اليمن لن يبقى بعده شيء على وجه هذا الكوكب برمته.

 

والآن يا ابني؟ 
جواب لا حدود له،  اليوم أدجي لكي يخضرّ وجه غدي .. كما قال البردوني

المصدر: قناة بلقيس


متعلقات