أطباء يمنيون يقدمون استشارات طبية مجانية عن بعد
الثلاثاء 7 يوليو 2020 الساعة 07:54
تعز أونلاين- محمد علي محروس

“يتابع حالة والدي منذ أن تواصلت معه، ويقدم النصائح الطبية له بشكل مستمر. كان أبي في خطر إثر المضاعفات التي تعرض لها، لكنه اليوم بخير. أنا مدينة له”، هكذا تقول رائدة العمودي، عن الدكتور اليمني أسامة ناشر، استشاري الباطنة وطب الأسرة واللقاحات، الذي يقدم استشاراته الطبية إلكترونياً في ظل الأوضاع الصحية المعقدة التي تشهدها اليمن.
رائدة ترى أن الدكتور ناشر استطاع بخبرته أن يتعامل مع أبيها كأنه أمام عينيه، ويجنّبه الكثير من العواقب.
الدكتور ناشر يقدم عشرات الاستشارات الطبية عبر صفحته على “فيسبوك” أو تطبيق “واتساب”، بشكل يومي، معتبراً ذلك واجباً إنسانياً تجاه أبناء وطنه، بسبب الصعوبات التي يعيشها اليمنيون منذ سنوات.
ويعمل ضمن مبادرة “أنا طبيب أنا أستطيع”، وهي مبادرة من عشرات الأطباء اليمنيين في الداخل والخارج، تم الإعلان عنها بشكل رسمي، في مايو الماضي؛ لتعنى بتقديم الاستشارات الطبية، والإجابة على كافة الأسئلة والاستفسارات الصحية من كل اليمن، ليل نهار. وهذه المبادرة التي يشغل فيها نائب الرئيس، ومديراً لعلاقاتها الخارجية، تمثل له خطوة متقدمة، وتعبّر عن مدى المسؤولية الاجتماعية لأعضائها تجاه بلدهم الذي يعتبر في أمس الحاجة لهم اليوم، في ظل تفشي فيروس كورونا وعدد من الأوبئة الأخرى.

استشارات مجانية عن بعد

من الغرب إلى الشرق، تحديداً الهند، وبذات الوتيرة، لا يتردد الدكتور وليد البكيلي، طبيب وباحث في طب الأطفال والأسرة، عن الرد على من يطلب استشارة طبية منه.
وليد الذي يرأس مبادرة “أنا طبيب”، ومهندس تشكيلها، إضافة لكونه مسؤول الشرق الأوسط في مجموعة مستشفيات أبولو الطبية الهندية، يسخر وقته المتبقي لصناعة الأمل لمن أراد، سواء عبر تطبيق “واتساب” أو عبر صفحته على “فيسبوك”، وعبر المكالمات الهاتفية.


لا يتوقف القرار الطبي التشخيصي للحالات التي يتلقى وليد استشاراتها، عليه وحده، فالرجل شكّل مجموعات تجمع أطباء من تخصصات عدة، يتم إحالة كل حالة إلى المجموعة التي يراها معنية بها، وبعد المناقشة وطلب المؤيدات التشخيصية الأولية، يتم التشخيص، وتحديد نوعية المرض، وكيفية التعامل معه، ومتابعة الحالة أولاً بأول، وفق المعايير الدولية، حسب قوله.
“إننا نغطي الفجوة التي صنعتها الحرب في القطاع الصحي، ونعمل من أجل ألا يشعر اليمنيون باليأس في ظل انعدام فعالية المؤسسات المعنية”، وهو ما يراه الدكتور وليد دافعاً لما يقدمه وزملاؤه في مبادرة “أنا طبيب أنا أستطيع”، التي باتت في الميدان من خلال مشفاها الميداني بعدن، لتقديم خدماتها وفق إمكانياتها المتاحة، سواء في الواقع، أو عبر العالم الافتراضي.

حملة تبرعات

قاد الدكتور ناشر حملة تبرعات إلكترونية، عبر صفحته على “فيسبوك”، لمدة أسبوعين، خلال مايو الماضي.
وهدفت الحملة إلى شراء الأدوات الوقائية والمستلزمات اللازمة لحماية الأطقم الطبية العاملة في مستشفيات عدن والضواحي المجاورة لها من محافظة لحج.
واستطاع ناشر الوصول إلى مبلغ تجاوز 13 ألف يورو، بمعية زملاء وناشطين يمنيين في أوروبا، ليقرر على الفور التنسيق مع السفارة اليمنية في الأردن ومكتب الأمم المتحدة، لشراء المعدات اللازمة وشحنها إلى عدن وضمان وصولها إلى المرافق الصحية التي تم تحديد استهدافها مسبقاً.
وترى هدى الصراري، ناشطة حقوقية يمنية، أن ما يقوم به أسامة وزملاؤه باعث للأمل، ويؤكد مدى انتماء اليمني لبلاده، ومدى استجابته لها عند احتياجها له. هؤلاء يستحقون الشكر والثناء، حسب قولها.

عيادة إلكترونية

ومن ألمانيا أيضاً، أطلق الدكتور مروان الغفوري، تطبيقاً إلكترونياً يعنى بتقديم الاستشارات الطبية بشكل منظّم، أطلق عليه تطبيق “طبيبي”، يقدم استشاراته الطبية كأنك في مستشفى افتراضي، وبمستوى عالٍ، كما عبّر عنه عدد من المستفيدين.


يستخدم التطبيق اليوم أكثر من 21 ألف شخص، من اليمن ودول أخرى عربية وإقليمية، ويضم نحو 31 قسماً متخصصاً، في كل قسم أطباء عديدون، يمكن للمستفيد أن يطرح استشارته على طبيب بعينه، أو يضعها في القسم المعني، وتقوم إدارة التطبيق والأطباء بمتابعتها وإحالتها للمختصين للرد عليها.

أطلق الدكتور مروان الغفوري، تطبيقاً إلكترونياً يعنى بتقديم الاستشارات الطبية بشكل منظّم، أطلق عليه تطبيق “طبيبي”، يقدم استشاراته الطبية كأنك في مستشفى افتراضي، وبمستوى عالٍ، كما عبّر عنه عدد من المستفيدين.


ويضم التطبيق فريقاً من 425 طبيباً، وهم بحسب وصف الغفوري: كتيبة أطباء، تسجل الطبيبات من خلاله حضوراً ملفتاً، وذلك بنسبة 25% من قائمة الاستشارات الأكثر نشاطاً.
في يونيو الفائت، استقبل “طبيبي” حوالي 6000 حالة، بمعدل يومي يصل إلى 200 حالة، منها 1107 حالات استقبلها قسم كوفيد 19، تلته بالترتيب أقسام النساء والتوليد، الباطنة العامة، الجلدية والتناسلية، والقلب والأوعية الدموية. وأشرف عليها استشاريون ومختصون وأطباء كل في تخصصه وقسمه المعني به في التطبيق.
إلى جانب الاستشارات الطبية، يقدّم التطبيق ما يُطلق عليه الغفوري التنوير العلمي، عبر مقالات علمية طبية متخصصة، ورسائل توعوية متنوعة سواء من خلال التطبيق ذاته أو عبر منصاته الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي.
“إنسانية وسمو الفكرة، والخدمات التي يقدمها التطبيق، أهم أسباب انضمامي لفريق طبيبي”، هذا ما تقوله مها عبده، إحدى أكثر الأطباء حضوراً في التطبيق، من خلال ردها على الاستشارات في قسمي كوفيد 19 والطوارئ، وتضيف: “أشعر بالرضا؛ لأنني جزء من كيان يقوم بخدمة الناس، ولو بشكل افتراضي، لكنه شعور له وقع مختلف”.

“أوقفني إن كنت تريد استشارة طبية”

أودى فيروس كورونا بحياة عدد من الأطباء، منهم من أُعلن عن وفاتهم بسبب الإصابة بالفيروس، ومنهم من أُعلنت وفاتهم لأسباب أخرى، خلال الفترة الماضية، لكن ذلك لم يكن مانعاً عند كثيرين آثروا مواجهة الفيروس بطريقتهم الخاصة، دون الاستسلام لما قد يسببه ذلك من مخاطر ومتاعب لهم ولذويهم.


فسامي الحاج، طب بشري وجراحة، ابتدع طريقة لاقت استحسان اليمنيين وثناءهم، حين كتب على زجاج سيارته الخلفي “أوقفني إن كنت تريد استشارة طبية”، في خطوة قوبلت بتفاعل مجتمعي، وإقبال كبيرين من عامة الناس الذين بدأوا يستوقفونه للحصول على استشاراتهم الطبية اللازمة.
الحاج أوضح أن مقصده من المبادرة إنساني بحت، يهدف من خلاله لخدمة المجتمع والفئات الفقيرة، في ظل الانهيار الذي يشهده القطاع الصحي.
وكانت مستشفيات يمنية رفضت استقبال بعض الحالات المشتبه إصابتها بفيروس كورونا، وهو ما دفع بعدد من الأطباء للقيام بما اعتبروه واجباً إنسانياً ووطنياً اقتضته الظروف التي تمر بها اليمن، في ظل تفشي فيروس كورونا وأوبئة أخرى فتكت بالمئات، خلال أشهر.

إنقاذ حياة المصابين

وفي تعز، لم يحتفل عمر المليك، المدير الفني لمركز العزل في المستشفى الجمهوري، بزفافه كما جرت العادة عند اليمنيين، بل استمر في عمله إلى جوار زملائه؛ إيماناً منه بضرورة إنقاذ حياة المصابين، وإن على حساب فرحة العمر، كما يقول.
خطوة المليك، حظيت بإشادة كثيرين، اعتبروها تأكيداً على أن الضمير الإنساني مازال في أوج عطائه، وأن الأطباء اليمنيين مازالوا بذات الوهج، منتمين إلى قيمهم الاجتماعية الحميدة، القائمة على التكاتف والتعاون وحب الخير للآخرين.
ويعيش اليمنيون في ظل ظروف استثنائية فرضتها الحرب الدائرة منذ 6 سنوات، على كافة المستويات، ولم يكن القطاع الصحي خارج إطار الاستهداف، إذ تعرّضت مستشفيات ومراكز صحية للقصف من قبل أطراف الصراع، كما استُخدمت أخرى كثكنات عسكرية، ومخازن للسلاح، ومراكز للتدريب، مما فاقم سوء الوضع الصحي في بلد يُعد من بين البلدان الأسوأ صحياً في العالم، وتنتشر فيه أوبئة موسمية بشكل سنوي، ويواجه أبناؤه أزمة إنسانية توصف بالمعقدّة عالمياً، في ظل تجاذبات سياسية وعسكرية متفاقمة تلقي بظلالها على جوانب الحياة كلها.


متعلقات