نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرًا يفيد بأن القوات الإيرانية تدعم حركة الشباب الصومالية وتقدم مكافآت لها. لذا، يجب على الحكومة الأمريكية إيقاف طهران قبل أن تزيد من زعزعة استقرار القرن الأفريقي.
وأوضح التقرير الذي أعده الكاتبان محمد فريزر رحيم، ومحمد فتاح، أن إيران أقامت علاقات سرية مع جماعة الشباب الصومالية المصنفة بالإرهابية والمعروفة بهجماتها في القرن الأفريقي. وسيرًا على خطى الروس في أفغانستان، يُزعم أن طهران تستخدم حركة الشباب لمهاجمة الجيش الأمريكي والقوات الأجنبية الأخرى في الصومال وفي المنطقة، وفقًا لكبار المسؤولين في الحكومة الصومالية والأمنية المطلعين على المعلومات الاستخبارية.
باستخدام الحوافز المالية وسيلة للتجنيد، تمتلك إيران شبكة في الصومال وتستخدم الوسطاء لتقديم الدعم للمنظمات المتطرفة العنيفة لمواجهة نفوذ الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، بما في ذلك استخدام الصومال لنقل الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن وإلى دول أخرى، مثل كينيا، وتنزانيا، وجنوب السودان، وموزمبيق، وجمهورية أفريقيا الوسطى.
يكشف الكاتبان عن أن التغلغل الإيراني في القارة الأفريقية ليس جديدًا. فقد عملت الجماعات الدينية الإيرانية ووكالات الاستخبارات على مدى عقود لنشر التشيع والنفوذ في القارة الأفريقية، عبر توفير المنح الدينية في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ومنطقة القرن الأفريقي للتصدى لتأثيرات دول الخليج.
علاوة على ذلك، يقول التقرير، فإن هذه الجهود التعليمية سمحت للأفارقة بالدراسة في المراكز الدينية الشيعية مثل قم في إيران، ثم العودة إلى بلدانهم للعمل لصالح طهران، مما جعل العديد منهم أعداء لمن يتابعون أهداف طهران في المنطقة.
يؤكد الكاتبان أنه وبحسب المسؤولين الصوماليين فإن فيلق الحرس الثوري الإسلامي، هو المنظمة الإيرانية الرئيسية في الصومال، وقد أقامت قوات القدس التابعة له علاقات مع الجماعات المتطرفة والشبكات الإجرامية. وينقل التقرير عن مسؤولي الشرطة ووزارة المالية الصومالية قولهم إن فيلق القدس يستخدم هذه الشبكات لتهريب النفط الإيراني إلى الصومال، ثم بيعه عبر أفريقيا للتحايل على العقوبات الأمريكية، مع استخدام بعض العائدات لدعم المتشددين في اليمن والصومال.
يؤكد المسؤولون العسكريون الصوماليون أن إيران تدير عمليات سرية لتقويض نفوذ الولايات المتحدة في الصومال؛ إذ تقدم أسلحة متطورة وأجهزة متفجرة ومدافع هاون، وموادًا كيميائية تستخدم لصنع القنابل.
ويزعم المسؤولون العسكريون أن إيران ووكلاءها متواطئون في هجمات حركة الشباب على الجيش الأمريكي والقوات الصومالية وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، في حين يزعم مسؤول عسكري كبير مشارك في عمليات ضد حركة الشباب في جنوب وسط الصومال أن الحركة تلقت دعمًا ماديًّا من إيران وربما دفعت مكافآت للمتشددين لمهاجمة القوات الأمريكية في الصومال والمنطقة.
ويشير الكاتبان إلى أنه وفقًا لوزارة الدفاع الصومالية ومسؤولي الأمن يشتبه أن إيران مولت ووفرت الأسلحة والذخيرة في هجمات 2019 و2020، التي شنتها حركة الشباب على القواعد العسكرية الأمريكية في الصومال وشمال كينيا، بالإضافة إلى القافلة العسكرية للاتحاد الأوروبي في مقديشو.
اكتشفت قوات الأمن المشاركة في العمليات ضد حركة الشباب في جنوب وسط الصومال، أسلحة، وموادً لصنع القنابل، وموادًا كيميائية من إيران. يزعم هؤلاء المسؤولون أن هجمات حركة الشباب منذ عام 2017 أصبحت أكثر فتكًا، ويعزون القدرات المتزايدة للمجموعة إلى الأسلحة الأجنبية المصدر، ومعظمها قادم من إيران واليمن.
يشير التقرير إلى ما حدث في الخامس من يناير (كانون الثاني) الماضي، إذ شنت حركة الشباب هجومًا على مهبط طائرات ماندا بمعسكر سيمبا شمالي كينيا. قتل الهجوم ثلاثة أمريكيين ودُمرت معدات عسكرية أمريكية لدعم عمليات المخابرات في المنطقة. يضيف الكاتبان أن حركة الشباب هاجمت معسكر سيمبا بعد يومين من اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس وحدات الحشد الشعبي العراقي.
وفي 30 سبتمبر (أيلول) 2019، فجرت حركة الشباب سيارة مفخخة في منشأة باليدوجل، مما أدى إلى إصابة عضو في الخدمة الأمريكية في القاعدة، وفقًا لتقارير إخبارية. تستضيف قاعدة باليدوجل، على بعد حوالي 60 ميلًا شمال غرب مقديشو، مئات من العسكريين والمدنيين الأمريكيين الذين يدعمون عمليات الحكومة الصومالية ضد حركة الشباب. صدت القوات الصومالية التي دربتها الولايات المتحدة والجيش الأمريكي الهجوم المنسق وألحقت خسائر فادحة بحركة الشباب.
وفي 30 سبتمبر أيضًا، انفجرت سيارة مفخخة في قافلة عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي في مقديشو. كانت القافلة العسكرية الإيطالية جزءًا من بعثة الاتحاد الأوروبي التدريبية في الصومال. أسفر الهجوم عن تدمير عدة عربات، لكن لم يسفر عن وقوع إصابات.
يقول الكاتبان إنه على الرغم من عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية والصومالية فما تزال حركة الشباب أكبر شبكة نشطة لتنظيم القاعدة في العالم، ويمثل الدعم المالي والمادي الذي تقدمه قوة القدس الإيرانية للجماعة تصعيدًا جديدًا وتهديدًا تحوليًّا للمصالح الأمريكية والغربية في الصومال والمنطقة.
على الرغم من زيادة عدد القوات الأمريكية في الصومال على مدى السنوات الثلاثة الماضية، حدثت زيادة مطردة في الهجمات التي تشنها حركة الشباب وتنظيم داعش في جنوب وسط الصومال وبونتلاند، وبشكل متزايد في شمال كينيا. وفقًا للجنرال ستيفين تاونسند: «بعد سلسلة من الهجمات المعقدة التي استهدفت القواعد الصومالية والأمريكية العام الماضي، حدد قادة الشباب علنًا المصالح الأمريكية في جميع أنحاء العالم كأهداف ذات أولوية»، وهو موقف مشابه لإعلان أسامة بن لادن الحرب ضد الولايات المتحدة عام 1996.
يواصل الكاتبان حديثهما قائلين بالإضافة إلى إيران وسعت روسيا اتصالاتها ونفوذها في الصومال، فأرسلت سفيرًا لأول مرة منذ 30 عامًا، وأقامت علاقات مع الجماعات المتطرفة في الدولة الهشة؛ للضغط على القوات الأمريكية والحلفاء الغربيين في المنطقة.
وفقًا لمسؤولين كبار وزارة الدفاع ومسؤولي الأمن الوطنيين والإقليميين في الصومال، فإن المخابرات الروسية ومجموعة فاجنر – وهي شركة مرتزقة شبه عسكرية لها علاقات بالكرملين – تنشط في الصومال، حيث أقامت علاقات مع حركة الشباب، وحاولت أيضًا توفير التدريب والمعدات للحكومة الصومالية والحكومات الإقليمية، دون إشراف أو مساءلة وتجنب الامتثال لعقوبات الأمم المتحدة.
على مدى العامين الماضيين، أبدت روسيا وإيران اهتمامًا متجددًا بالقرن الأفريقي، ووفقًا لمسؤول عسكري صومالي رفيع المستوى، عملت روسيا مع إيران لإخراج الولايات المتحدة من الصومال – وخاصة باليدوجل، وهي قاعدة بناها الاتحاد السوفيتي، وكانت قاعدة لموسكو في المنطقة.
وفقًا للمسؤولين، أعرب الروس عن اهتمامهم بباليدوجل وميناء بربرة. ويشعر المسؤولون بالقلق من أن هجوم 2019 قد جرى بدعم من قبل وكلاء إيرانيين أو روس يحاولون إجبار الجيش الأمريكي على الخروج من القاعدة.
يقول الكاتبان إنه بالنظر إلى أن إيران قد انخرطت ودعمت الجماعات المتطرفة العنيفة في الصومال وفي جميع أنحاء المنطقة، فإنه ليس من المستغرب أن طهران وعملاءها بالوكالة يدعمون حركة الشباب. والحقيقة أن طهران تعاونت في مناسبات لا تحصى في السنوات الأخيرة مع مجموعة واسعة من العناصر الإسلامية في الصومال. تستخدم إيران هؤلاء الفاعلين في أفريقيا لإبراز نفوذها، ونشر عقيدتها المتطرفة أينما وكيفما استطاعت. وتواصل إيران استخدام الحلفاء بالوكالة والجماعات المتطرفة العنيفة، مما يقوض استراتيجية الإدارة الأمريكية لمكافحة الإرهاب في الصومال والجهود الدولية لتحقيق الاستقرار في البلاد.
يقول التقرير إنه لمواجهة هذا التهديد، يجب على الحكومة الأمريكية أولًا التركيز على الحد من الدعم المالي والمادي من مصادر أجنبية مثل إيران. يمكن فعل ذلك عن طريق توسيع استخدام العقوبات لتحديد واستهداف الأفراد أو الجماعات في الصومال، والمنطقة التي تيسر الأنشطة بالوكالة الإيرانية في الصومال، وكذلك تحديد كيفية شراء المنظمات المتطرفة العنيفة في الصومال الأسلحة والمواد الكيميائية المستخدمة لمهاجمة المدنيين والمؤسسات الحكومية وقوات الأمن في الصومال والمنطقة.
ومن ثم يجب أن تستخدم فرقة العمل المشتركة 150 وبعثة بناء القدرات التابعة للاتحاد الأوروبي؛ للتركيز على تعطيل تدفق الأسلحة والمواد الكيميائية إلى الصومال، مع مساعدة الحكومة الفيدرالية الصومالية على بناء القوات البحرية وخفر السواحل وغيرها من القوات البحرية، لحماية ثاني أطول ساحل في أفريقيا.
ثانيًا – يشدد الكاتبان – يجب على الحكومة الأمريكية العمل من أجل الحد من النفوذ الإيراني في القرن الأفريقي، مما يجعل من الصعب على إيران ووكلائها العمل. يمكن للحكومة الأمريكية تقليل النفوذ الإيراني من خلال زيادة جمع المعلومات الاستخبارية عن الحلفاء التابعين لطهران، والميسرين، وهياكل الدعم، بالإضافة إلى مراقبة التجارة الإيرانية مع دول المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للولايات المتحدة استخدام العقوبات لملاحقة الأفراد والمنظمات المتورطين مع عناصر النظام الإيراني الخاضع للعقوبات.
وأخيرًا، لمواجهة إيران وروسيا، يقول التقرير إنه يتعين على حكومة الولايات المتحدة زيادة المساعدة العسكرية والأمنية والاقتصادية للصومال، ودعم جهود الحكومة الصومالية لزيادة حجم قوات الأمن وقدراتها أثناء شن عمليات مكافحة الإرهاب والتمرد، لإخراج حركة الشباب والجماعات المتطرفة العنيفة الأخرى من المناطق التي يسيطرون عليها.
إن تطلع حركة الشباب لمهاجمة الولايات المتحدة في المنطقة وخارجها يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي للولايات المتحدة ومصالح السياسة الخارجية. لهزيمة حركة الشباب والحد من تدخل إيران وعملاء أجانب آخرين في الصومال يتطلب الأمر من حكومة الولايات المتحدة استخدام جميع أدوات السلطة الوطنية، بما في ذلك الأدوات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والمالية.