تمتعت محافظة مأرب شمالي اليمن بسلام نسبي على مدى السنوات الخمس الماضية وتوافد آلاف النازحين من صنعاء والجوف ومحافظات أخرى إلى المدينة. ويمكن تشبيه مأرب بواحة محاطة بالألغام الأرضية.
على بعد حوالي 170 كيلومترًا من صنعاء التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، صدت مأرب الميليشيا الحوثية التي اندفعت نحو المدينة بلا هوادة، باعتبارها معركة حياة أوموت.
كانت مأرب مصدر قلق للحوثيين حيث لم يكن لديهم أي تأثير على قيادتها أو شعبها مما يجعل أي مكاسب يحققونها عرضة لأن تتحول إلى خسارة بالنظر إلى المقاومة الشديدة التي أظهرتها المحافظة بأكملها.
لا تعتبر المعركة المستمرة حاليا المحاولة الأولى من قبل الحوثيين لإخضاع مأرب. ففي عام 2015، انخرط رجال القبائل في المحافظة في اشتباكات عنيفة مع الحوثيين ونجحوا في صدهم.
وتعتبر السيطرة على مأرب حلمًا للحوثيين لم يتحقق حتى الآن، ولا يبدو أنه سيتحقق. واليوم، تعد المحافظة آخر معقل للحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. وإذا سقطت مأرب على يد الحوثيين، فهذا يعني أن الوجود الحكومي قد تم إزالته من شمال اليمن باستثناء بعض المناطق في تعز.
ومنذ بداية العام الجاري، اكتسب الحوثيون نفوذا في منطقة نهم بصنعاء ومحافظة الجوف المتاخمة لمأرب، وشجع انهيار القوات الحكومية في أبريل/نيسان الحوثيين على تحقيق نصر عسكري في مأرب.
يسعى الحوثيون للسيطرة على مأرب لأنها أغنى محافظة في شمال اليمن من حيث موارد الغاز والنفط كما أن المحافظة تتمتع بموقع استراتيجي حيث تقع على مفترق طرق بين البيضاء والجوف وصنعاء وشبوة والسعودية.
ورغم إدراك الحوثيين للوزن الاستراتيجي لهذه المحافظة، فقد واجهوا تحديات لا يمكن التغلب عليها خلال محاولاتهم الفاشلة المتعددة للسيطرة عليها، ويرجع ذلك لعدة أسباب:
أولاً، تعد مأرب مجتمعا قبليا وليس من السهل إخضاعه بالقوة. إنهم يميلون للقتال حتى آخر رجل. وتعد الطريقة الوحيدة الممكنة لكسب دعمهم هي علاقات جيدة مع شخصياتهم القبلية الرائدة.
فعلى عكس المحافظات الأخرى في شمال اليمن، شعر سكان مأرب بمسؤولية جماعية لصد الغارات الحوثية. وقد لعب هذا الإحساس بالمسؤولية دورًا استراتيجيًا في عرقلة سيطرة الحوثيين على المحافظة. يمكن رؤية شباب مأرب، رجالا وشيوخا على خط المواجهة مع القوات الحكومية. كما أن قبائل مأرب لم تتفكك ولم يتمكن الحوثيون من شراء ولاء زعماء القبائل في المحافظة.
ويمكن القول أن الحوثيين لن ينجحوا في الوصول إلى توافق مع قبائل مأرب بسبب الفجوة الأيديولوجية بين الجانبين. يعرّف رجال قبائل مأرب أنفسهم كمسلمين سنة بينما يتبع الحوثيون العقيدة الشيعية. يعتقد الحوثيون أن لهم الحق الإلهي في الحكم على الآخرين، وهذه قضية غير مقبولة بالنسبة لعشائر مأرب التي تعتز باستقلالها طالما أنها لا تزال لديها أسلحة وقدرة على القتال.
ثانيًا، لم تقع مأرب في فخ التنافس الحزبي عندما استولى الحوثيون على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 بعد أن تحولت الانتفاضة الشعبية من مسار سلمي إلى صراع حزبي مدمر في صنعاء وغيرها، خاصة بين المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح.
إن سيطرة الحوثيين على محافظتي عمران وصنعاء وتوسعهم اللاحق في عدة مدن في اليمن ما كان ليحدث بدون دعم قيادة المؤتمر الشعبي العام، بما في ذلك "علي عبدالله صالح"، الذي اغتاله الحوثيون في نهاية المطاف عام 2017 بعد انهاء تحالفه مع الميليشيا.
أراد المؤتمر الشعبي العام الانتقام من حزب الإصلاح وجميع الحركات السياسية التي خرجت إلى الشوارع مطالبة بإسقاط نظام "صالح". ووفر ذلك أرضية خصبة للحوثيين للتوسع في جميع أنحاء البلاد. وبالفعل، فإن العداء بين الأحزاب السياسية في اليمن في أعقاب الانتفاضة الشعبية عام 2011 أفاد الحوثيين وعزز تواجدهم، مما أدى في النهاية إلى الموت التدريجي للدولة.
وقفت مأرب بشكل ملحوظ بمفردها ونجت من وباء الانقسام الحزبي الذي كلف اليمن غالياً منذ عام 2014 حيث ظلت المحافظة موحدة بقوة وعمل مقاتلوها المناهضون للحوثيين بشكل جماعي لمنع أي محاولة للحوثيين للتقدم نحو مناطق المحافظة.
ثالثاً، كانت القيادة القوية لمحافظ مأرب حافزاً للمقاومة الثابتة منذ أوائل عام 2015. وقد نجح المحافظ "سلطان العرادة"، الذي عينه الرئيس "عبدربه منصور هادي" عام 2012، في كسب الدعم الداخلي والخارجي، وتم توحيد القبائل والأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة تحت قيادته، كما حافظ أيضًا على علاقات جيدة مع كل من السعودية والإمارات، اللتين شنتا حملة عسكرية ضد الحوثيين عام 2015.
وأخيرًا، لم تركز قيادة مأرب على جهود الحرب فحسب، فلم تترك الاقتصاد والخدمات العامة التي يحتاجها المدنيون دون معالجة. وشهدت مأرب تحسناً هائلاً في قطاعات خدماتها الأساسية بما في ذلك الصحة والتعليم والكهرباء والبنية التحتية، رغم أن المدينة أصبحت ملاذا آمنا للنازحين وقفز عدد سكانها من 300 ألف إلى 3 ملايين.
في حين لم يتراجع الحوثيون عن هدف الاستيلاء على مأرب، فإن القوى التي دافعت عن المحافظة كانت حازمة وثابتة. وبالتالي، طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام شامل في اليمن، ستواصل مأرب مواجهة هجمات الحوثيين، وأيضا لن تتوقف صواريخ الحوثيين التي تصيب الأحياء المدنية والمواقع العسكرية.
في النهاية، مثلما لعبت مأرب دورًا حاسمًا في تمهيد الطريق لانتصار ثورة اليمن عام 1962 ضد حكم الإمامة التي يسعى الحوثيون إلى إحيائها، يمكن الاستدلال من التاريخ على أن هذه المحافظة لن تخضع بسهولة لقيادة الحوثيين.
المصدر | إنسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد