تتحول مياه السيول إلى متنزه مفتوح ومناسبة سعيدة للناس في صنعاء، فيسرعون للجلوس على ضفاف السائلة للاستمتاع برؤية مياه السيول تتدفق، وتتعالى أصوات الناس وضحكاتهم، وتبدو الفرحة على وجوهم، ويحول بعض الشباب السائلة إلى مسبح، فيتقافزون للسباحة، غير آبهين بالمخاطر التي قد تلحق بهم أو بلون المياه التي تتشح بلون الطين وتراب الأرض ومخلفات الأحياء السكنية.
ويقضي الناس لحظات ممتعة مع السيول التي تشق طريقها وسط العاصمة صنعاء، هذه الأيام، ومنهم إبراهيم عباس وأطفاله الثلاثة الذين لم تمكنهم “كورونا” من الخروج للتنزه في مكان آخر.
واعتاد الناس على تحويل ضفاف السائلة إلى متنزه مفتوح خلال أيام المطر، والبقاء حتى وقت متأخر من الليل.
ويقول عباس لـ”المشاهد”: “أصابني منظر ذهاب النساء اللواتي لا يخرجن من بيوتهن في ذلك الوقت، بالدهشة، لكني أعتقد أن خروجهن يعبر عن حاجة الناس للحظات سعادة، والترويح عن النفس في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها.
ساري الأغبري، أحد الذين ذهبوا لاستقبال السيل، برفقة زملائه في الحي، وقضوا ساعات على جوانب السائلة مع جموع الناس.
ويفسر الأغبري تجمع الناس لمشاهدة السيل، بعدم وجود متنزهات في المدينة، ومتنفسات لقضاء أوقات الاستجمام يروح بها الناس عن أنفسهم، بالإضافة إلى أن الحدائق المحدودة الموجودة بأمانة العاصمة تحتاج إلى مصاريف ونفقات.
ويقول ساري: “المطر والسيل لوحدهما عوامل جذب، ويحس الشخص بالشجن والفضول لرؤيتهما، وفي كل مرة، يشدني المنظر، ويبعث البهجة بداخلي”.
ويمثل المطر مناسبة موسمية للاحتفال وخلق أجواء من الفرحة، في سنوات تحاصر ما يقارب 80% من اليمنيين بين رحى الحرب والفقر والمجاعة.
وفي أجواء الاحتفال تظهر روح التعاون والمحبة من خلال عمليات الإنقاذ التي يقوم بها الشباب للأشخاص الذين جرفتهم أو جرفت سياراتهم السيول، وترى الجميع يبادر في تقديم الدعم والمساعدة.
ولا تتوقف أهمية مياه المطر عند نشر البهجة، وري الأرض، وتغذية المياه الجوفية، فله الكثير من الفوائد التي يحصل عليها الإنسان، مقارنة بالماء العادي، لأنه يعد بمثابة مادة مطهرة ومعقمة، ويتم استعمالها في المجال الطبي، وكمطهر ذي فاعلية قوية للجو، وذلك لقدرته على امتصاص الأتربة والغازات والغبار الموجود في الجو، وله قدرة كبيرة في تجديد خلايا جسم الإنسان التالفة مقارنة مع الماء العادي، كما يمنح الجسم الطاقة الضرورية، والتي تزوده بالنشاط والحيوية والنفسية الأفضل، بحسب الدراسات والأبحاث العلمية.
رائحة الأرض الندية بعد سقوط المطر نتيجة لوجود جزيئات تسمى “الجيوسمين”، مكونة من نوع من البكتيريا موجودة بكثرة في التربة، تنطلق في الهواء، وتثير حاسة الشم لدى الإنسان، وتؤكد الدراسات أن رائحة المطر تعيد للأذهان ذكريات ومشاعر قوية، إذ يعمل الدماغ على تحليل الروائح التي نستنشقها في منطقتين مسؤولتين عن المشاعر والذكريات .
ورائحة الأرض الندية بعد سقوط المطر نتيجة لوجود جزيئات تسمى “الجيوسمين”، مكونة من نوع من البكتيريا موجودة بكثرة في التربة، تنطلق في الهواء، وتثير حاسة الشم لدى الإنسان، وتؤكد الدراسات أن رائحة المطر تعيد للأذهان ذكريات ومشاعر قوية، إذ يعمل الدماغ على تحليل الروائح التي نستنشقها في منطقتين مسؤولتين عن المشاعر والذكريات، وتجعل الشخص يتذكر أيام الطفولة واللعب تحت المطر، مما يجعله يشعر بالسعادة، ويتخلص من مشاعر التوتر.
إلى جانب رائحته، فإن صوت المطر أيضاً له فوائد مهدئة، ويساعد على النوم، والسبب أن الصوت يوجه رسالة للدماغ، مفادها أن كل شيء على ما يرام، فيخلد الإنسان للنوم بشكل أسرع.
وأثبتت دراسات طبية أن مياه الأمطار من الأشياء التي تجعل الشخص يشعر بالسعادة، وتحسن حالته النفسية وإنتاجيته وعلاقته بالآخرين، وقضاء بعض الوقت في طقس بارد يساعد في حرق السعرات الحرارية، فعندما يرتعش الجسم في درجات حرارة معتدلة البرودة، فإنه يحرق الطاقة، مما يؤدي إلى زيادة حرارة الجسم، ويوفر استراتيجية بديلة صحية ومستدامة لحرق الدهون.
وتعد السائلة التي بدأ تنفيذها بداية الألفية الجديدة، من أكبر مشاريع البنية التحتية بصنعاء، وتهدف إلى حماية أمانة العاصمة، وبالخصوص مدينة صنعاء القديمة، من كوارث السيول، إلا أن هناك بعض الانتقادات من بعض المهندسين الزراعيين والمختصين، تذهب إلى أن مشروع السائلة حرم صنعاء من الاستفادة من مياه السيول، وحد من تغذية المياه الجوفية.
على الرغم من الوجه الجميل للسيول، إلا أن هناك وجهاً آخر وأضراراً كبيرة حدثت في صنعاء ومحافظات أخرى، وفي صنعاء جرفت السيول محال تجارية وبسطات وسيارات، ودخلت إلى منازل بعض المواطنين في أحياء شميلة والخفجي، في وقت سابق من هذا العام. لكن لم تكن أضرارها كمحافظة عدن التي أعلنتها الحكومة محافظة منكوبة بعد أن اجتاحت السيول الأحياء، وتضرر ما يقارب 76 منزلاً، وجرفت عدداً من السيارات، وقتلت 8 أشخاص بينهم 5 أطفال، وأنتجت لاحقاً أوبئة حصدت العشرات من سكان المدينة. وفي محافظة مأرب أعلنت الوحدة التنفيذية للنازحين أن كارثة السيول أدت وفاة 3 أطفال، وفقدان 5 مواطنين، بينهم أطفال، وإصابة ما يقارب 99 شخصاً، بعضهم إصاباتهم حرجة، وشملت الأضرار 17 مخيماً وتجمعاً للنازحين.
ومنذ أعوام تتعهد السلطات المحلية المتعاقبة في صنعاء، بتركيب أجهزة إنذار لتحذير المواطنين وسائقي السيارات عند نزول السيول، لأخذ الحيطة والحذر والخروج من مجرى السيول، تفادياً للحوادث التي تتكرر في موسم الأمطار، لكن لم تترجم الوعود إلى واقع، لتستمر المأساة، وتسقط الضحايا كل عام.
المصدر: المشاهد